إن أردت أن تعيش سعيدا في هذه الحياة؛ فاحذر وقت الفراغ, لا تدع له فرصة في حياتك؛ لأنه شبح مخيف, وهمٌّ دائم, وقلق سرمدي, فاقتله قبل أن يقتلك, وتخلص منه قبل أن ينهيك, واطرده قبل أن يسلبك سعادتك, ويأخذ منك سرورك, ويا له من شبح!!.
فتحرك واعمل، وزاول وطالع، واتل وسبح، واكتب وزر، واستفد من وقتك، ولا تجعل دقيقة للفراغ، إنك يوم تفرغ يدخل عليك الهمّ والغمّ، والهاجس والوساوس، وتصبح ميدانا لألاعيب الشيطان, فراحة المؤمن غفلة، والفراغ قاتل، والعطالة بطالة، وأكثر الناس هموما وغموما وكدرا العاطلون الفارغون. والأراجيف والهواجس رأس مال المفاليس من العمل الجاد المثمر, فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وإن لم تفطمها بالطاعات قادتك إلى المعاصي والزلات، {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}().
فالفارغون في الحياة هم أهل الأراجيف والشائعات؛ لأن أذهانهم موزعة{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ}().
إن أخطر حالات الذهن يوم يفرغ صاحبه من العمل، فيبقى كالسيارة المسرعة في انحدار بلا سائق تجنح ذات اليمين وذات الشمال.
يوم تجد في حياتك فراغا فتهيأ حينها للهمّ والغمّ والفزع، لأن هذا الفراغ يسحب لك كل ملفات الماضي والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة, فيجعلك في أمر مريج، ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدلا من هذا الاسترخاء القاتل لأنه وأد خفي، وانتحار بكبسول مسكن.
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يُمارس في سجون الصين بوضع السجين تحت أنبوب يقطر كل دقيقة قطرة، وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون.
الراحة غفلة، والفراغ لص محترف، وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية.
إذاً: قم الآن صلّ أو اقرأ، أو سبح، أو طالع، أو اكتب، أو رتب مكتبك، أو أصلح بيتك، أو انفع غيرك حتى تقضي على الفراغ، وإني لك من الناصحين.
اذبح الفراغ بسكين العمل، ويضمن لك أطباء العالم 50% من السعادة مقابل هذا الإجراء الطارئ فحسب، انظر إلى الفلاحين والخبازين والبنائين يغردون بالأناشيد كالعصافير في سعادة وراحة وأنت على فراشك تمسح دموعك وتضطرب لأنك ملدوغ.
اعلم -أخي الحبيب- أن من أسباب السعادة: أن يكون لك عمل تقضي فيه وقتك, وتجمع منه مالاً تقضي به حاجاتك, هذا من السعادة؛ لأن البطالة وعدم وجود العمل يولد للإنسان حاجة وفقراً, وهما وغما, فاستغله بالعمل الذي يعينك في الدنيا وينفعك في الآخرة.
الله –تعالى- أكثر في كتابه الكريم من الآيات التي تأمرك بالتحرك في الأرض للقضاء على هذا الشبح المخيف, وتعينك على حصول سعادتك في الدنيا والآخرة {وَقُلِ اعْمَلُواْ}(){فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}().
لقد حارب عمر العطالة والبطالة والفراغ، وأخرج شبابا سكنوا المسجد، فضربهم وقال: اخرجوا واطلبوا الرزق، فإن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة. إن مع الفراغ والعطالة: الوساوس والكدر والمرض النفسي والانهيار العصبي والهمّ والغمّ. وإن مع العمل والنشاط: السرور والحبور والسعادة. وسوف ينتهي عندنا القلق والهمّ والغمّ، والأمراض العقلية والعصبية والنفسية إذا قام كلٌّ بدوره في الحياة، فعملت المصانع، واشتغلت المعامل، وفتحت الجمعيات الخيرية والتعاونية والدعوية، والمخيمات والمراكز والملتقيات الأدبية، والدورات العلمية وغيرها().
لقد نظرت في أوقات أهل العلم, وكأني لم أجد أحدهم ارتاح وجلس, إلا كل أوقاتهم كلها شغل في خدمة هذا الدين, حتى أن أحدهم قيل له: لماذا لم تتزوج؟!. قال: لم أجد الوقت الكافي للتفكير في الزواج, سبحان الله!! لم يجد وقتا للتفكير في الزواج فضلا عن وقت الزواج كله. ونقل عن بعضهم أنه لم ينم, فقيل له: لماذا لم تنم؟! قال : ظليتُ متفكرا في مسالة, استخرجت منها ثلاثون فائدة؛ سبحان الله!! يشغلون أوقاتهم؛ وهذا هو سرُّ من أسرار سعادتهم.
فاقتل فراغك: بعبادة, بذكر, حتى ولو بتفكر ونظر في صنع الله فهو مما يشرح الصدر، ويزيح سحب الهمّ والغمّ، وانظر في كتاب الكون المفتوح لتشاهد أقلام القدرة وهي تكتب على صفحات الوجود آيات الجمال، لترى حدائق ذات بهجة، ورياضا أنيقة وجنات ألفا، اخرج من بيتك وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلفك، اصعد الجبال، اهبط الأودية، تسلق الأشجار، عب من الماء النمير، ضع أنفك على أغصان الياسمين، حينها تجد روحك حرة طليقة، اخرج من بيتك، ألق الغطاء الأسود عن عينيك، ثم سر في فجاج الله الواسعة ذاكرا مسبحا, المهم اشغل نفسك, واطرد الفراغ القاتل وأعد النظر في كتاب الله مع تلاوة طيبة بصوت خافت تسمع به نفسك تجد نفسك في سعادة وتكون قد طردت الفراغ وقضيت عليه, وأرحت نفسك من هموم وأحزان, وحصلت على أجر وثواب عند الله مع السعادة التي لاقيتها.
وأذكر أن أحد الذين أعرفهم في القرية كان يكره الجلوس طويلا, وكان دائم الحركة, كثير العمل, فكان يجلس بعد الظهر إلى قبل العصر ثم يذهب إلى عمله, وحينما يكون ليس لديه عمل, يبحث له عن عمل في أرضه يطرد به الفراغ والهمّ, حتى أنه أحيانا ليس لديه شغل يقيمه فيلجأ إلى هدم جدار قد بُني من قبل, فيهدمه ثم يبنيه مرة أخرى, فسألناه عن هذا السبب, فقال: أكره أن أبقى جالسا فالفراغ يقتلني.