{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (7) وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى}().
ﺃﻱ: ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻳﺘﻴﻤﺎ ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ -ﺑﺄﺑﻲ ﻫﻮ ﻭﺃﻣﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ- ﻓﺂﻭاﻙ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﻳﺪﻙ ﻭﺃﺣﺎﻃﻚ ﺑﻌﻨﺎﻳﺘﻪ ﻭﺭﻋﺎﻳﺘﻪ ﻭﺣﻔﻈﻪ ﻭﻓﻀﻠﻪ، ﻭﻛﻨﺖ ﻓﻘﻴﺮا ﻓﺄﻏﻨﻰ اﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﺎﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻭاﻟﺮﺿﺎ، ﺛﻢ ﺃﻓﺎﺽ ﻋﻠﻴﻚ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻤﺎﻝ اﻟﻮﻓﻴﺮ اﻟﺤﻼﻝ اﻟﻄﻴﺐ، ﻭﻛﻨﺖ ﺷﺎﺭﺩا ﺗﺎﺋﻬﺎ ﺗﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺷﻌﺎﺏ ﻣﻜﺔ ﻭﺭﺑﻮﻋﻬﺎ، ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﺟﺎﺣﺪﺓ، ﻭﺑﻴﻦ ﻧﻔﻮﺱ ﺷﺎﺭﺩﺓ، ﻭﻓﻲ ﻫﺎﺟﺮﺓ ﻗﺎﺗﻠﺔ ﻣﺤﺮﻗﺔ، ﻓﻫﺪاﻙ اﻟﻠﻪ -ﺟﻞ ﻭﻋﻼ- ﻟﻠﺤﻖ، ﻭﻃﻤﺄﻥ ﻗﻠﺒﻚ، ﻭﺷﺮﺡ ﺻﺪﺭﻙ، ﻭﺭﻓﻊ ﺫﻛﺮﻙ، ﻭﻭﺿﻊ ﻭﺯﺭﻙ، ﻭﻣﻦّ اﻟﻠﻪ -تعالى- ﻋﻠﻴﻚ ﺑﻜﻞ ﻫﺬﻩ اﻷﻓﻀﺎﻝ ﻭاﻟﻨﻌﻢ والمزايا..
ألا يستحق الهادي شكرا على نعمة الهداية، ﻭاﻟﻬﺪاﻳﺔ ﺃﻛﺒﺮ ﻧﻌﻤﺔ ﻳﻨﻌﻢ ﺑﻬﺎ اﻟﻬﺎﺩﻱ -ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ- ﻋﻠﻰ ﻋﺒﺪﻩ، ﻭﻛﻞ ﻧﻌﻤﺔ ﺩﻭﻧﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﻧﺎﻗﺼﺔ ﺯاﺋﻠﺔ، وهي مفتاح لفكّ أواصر الحياة التعيسة، ﻭﺑﻘﺪﺭ ﻫﺪاﻳﺔ اﻟﻌﺒﺪ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﻌﺎﺩﺗﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻵﺧﺮﺓ، ﻓﻬﻮ -ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ- اﻟﻬﺎﺩﻱ اﻟﺬﻱ ﻫﺪﻯ ﻛﻞ ﻣﺨﻠﻮﻕ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻻﺑﺪ ﻣﻨﻪ ﻓﻲ ﻗﻀﺎء ﺣﺎﺟﺎﺗﻪ، ﻓﻬﺪﻯ اﻟﻄﻔﻞ ﺇﻟﻰ اﻟﺘﻘﺎﻡ اﻟﺜﺪﻱ ﻋﻨﺪ اﻧﻔﺼﺎﻟﻪ، ﻭﻫﺪﻯ اﻟﻔﺮﺥ ﺇﻟﻰ اﻟﺘﻘﺎﻁ اﻟﺤﺐ ﻭﻗﺖ ﺧﺮﻭﺟﻪ، ﻭﻫﺪﻯ اﻟﻨﺤﻞ ﺇﻟﻰ ﺑﻨﺎء ﺑﻴﻮﺗﻬﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻨﺎﺳﺐ ﺣﺎﻟﻬﺎ، ﻭﻫﺪﻯ اﻟﻨﺒﺎﺕ ﺃﻥ ﻳﺸﻖ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻋﺮﻭﻗﺎ، ﻭﻓﻮﻕ اﻷﺭﺽ ﺃﻏﺼﺎﻧﺎ ﻭﺃﻭﺭاﻗﺎ، ﻭﺃﺯﻫﺎﺭا ﻭﺛﻤﺎﺭا.
ﻭﻫﺪﻯ اﻟﺸﻤﺲ ﻭاﻟﻘﻤﺮ ﻭاﻟﻨﺠﻮﻡ ﻟﻠﺴﻴﺮ ﻭاﻹﻧﺎﺭﺓ، ﻭﻫﺪﻯ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻟﻠﻄﺎﻋﺔ ﻭاﻟﺘﺴﺒﻴﺢ، ﻭﻫﺪﻯ اﻟﺤﻴﻮاﻧﺎﺕ ﻭاﻟﻄﻴﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﺎ ﻭﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ، ﻭﻫﺪى اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻳﺴﻌﺪﻩ ﻓﻲ ﺩﻧﻴﺎﻩ ﻭﺃﺧﺮته.
ﻓﺴﺒﺤﺎﻥ اﻟﺨﻼﻕ اﻟﻌﻠﻴﻢ{الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}().
ﺇﻥ اﻟﻬﺪاﻳﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﺼﺮاﻁ اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ، ﻭاﻟﺴﻴﺮ ﻓﻲ ﺭﻛﺎﺏ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ، ﻭاﻟﺘﺠﺎﻓﻲ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ اﻟﻀﺎﻟﻴﻦ؛ ﻟﻬﻮ ﺃﻋﺰ ﻭﺃﻧﻔﺲ ﻭﺃﻏﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻤﻠﻜﻪ اﻟﻤﺮء، ﻭﻫﻮ ﺃﺗﻢ ﻧﻌﻤﺔ ﻳﻤﺘﻦ ﺑﻬﺎ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺒﺪ{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}()ﺇﻧﻬﺎ ﺣﺼﻦ اﻟﻠﻪ اﻟﺤﺼﻴﻦ، ﻣﻦ ﺩﺧﻠﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ اﻵﻣﻨﻴﻦ، ﻭﻫﻲ اﻟﺒﺎﺏ اﻟﻌﻈﻴﻢ اﻟﺬﻱ ﻣﻦ ﻭﻟﺠﻪ ﻛﺎﻥ ﺇﻟﻰ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ اﻟﻮاﺻﻠﻴﻦ{أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}().
فاحمد الله على هذه النعمة لطالما غيرك لا يعرفها.
هداك الله للإسلام وغيرك يتعذب بحياة الكفر.
ومما زادني شرفا وفخرا ... وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي... وأن صيّرت لي أحمد نبيّا..
هداك للإيمان وغيرك في شقاء العصيان.
هداك للقرآن الذي من لازمة سُعد ولن يشقى, وغيرك مدمن على الغناء والملهيات.
هداك إلى الصراط المستقيم, وغيرك قد غضب الله عليهم ولعنهم وأبعدهم عن جناب رحمته.
احمد الله حين ﻛﻨﺖ ﺿﺎﻻ ﻓﻫﺪاﻙ، ﻭﻛﻨﺖ ﻭﺿﻴﻌﺎ ﻓﺮﻓﻌﻚ، ﻭﻛﻨﺖ ﻓﻘﻴﺮا ﻓﺄﻏﻨﺎﻙ، ﻭﻛﻨﺖ ﺫﻟﻴﻼ ﻓﺄﻋﺰﻙ، ﻓﺎﻋﺮﻑ ﻓﻀﻞ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﻭاﻟﻠﻪ ﻟﻮ ﺗﺨﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻚ ﻃﺮﻓﺔ ﻋﻴﻦ ﻟﻜﻨﺖ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ اﻟﺸﺎﺓ اﻟﺘﻲ اﺣﺘﻮﺷﺘﻬﺎ اﻟﺬﺋﺎﺏ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻧﺎﺣﻴﺔ{فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ}().
احمد الله على نعمة العلم تستطيع تكتب وتقرأ وتنظر وتتفكر فغيرك أميّ لا يقرأ ولا يكتب{وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}().
فاطلب الهداية من الهادي -جلّ جلاله-, ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻴﻤﺎﻧﻲ ﻓﻲ ﺇﻳﺜﺎﺭ اﻟﺤﻖ ﻣﺎ ﻣﻀﻤﻮﻧﻪ: ﺇﻥ ﻃﻠﺐ اﻟﺤﻖ ﻭاﻟﻬﺪاﻳﺔ ﺇﻟﻰ اﻟﺼﺮاﻁ اﻟﻤﺴﺘﻘﻴﻢ ﺃﺟﻠﻰ ﻭﺃﺣﻠﻰ ﻓﻲ اﻟﻨﻔﻮﺱ اﻷﺑﻴﺔ ﻣﻦ اﻟﺸﻤﺲ ﻓﻲ ﺭاﺑﻌﺔ اﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﻣﺤﻮﺭ ﺗﺪﻭﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﻤﻢ اﻷﺧﻴﺎﺭ، ﻭﻋﺒﺎﺏ ﺗﻨﺼﺐ ﻣﻨﻪ ﺟﺪاﻭﻝ ﺷﻤﺎﺋﻞ اﻷﻃﻬﺎﺭ، ﻭﻣﺘﻰ ﻋﻠﺖ اﻟﻬﻤﺔ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ اﻟﺤﻖ ﻭاﻟﻬﺪﻯ، ﺣﻤﻠﺖ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻔﺎﺭﻗﺔ اﻟﻌﻮاﺋﺪ ﻭﻃﻠﺐ اﻷﻭاﺑﺪ، ﻓﺈﻥ اﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ اﻷﻋﺼﺎﺭ ﻗﻞ ﻣﺎ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﺇﻻ ﻭاﺣﺪ، ﻭﺇﺫا ﻋﻈﻢ اﻟﻤﻄﻠﻮﺏ ﻗﻞ اﻟﻤﺴﺎﻋﺪ().