قال علي –رضي الله عنه-: لا تكن عبد غيرك, وقد جعلك الله حرّا().
لا تكن كالشجرة تستعبدها الريح.
فإذا أردت الحياة السعيدة الواقية من الذلّ والهيانة والخوف؛ فكن عبدا الله –تعالى-, ولا تكن عبدا ذليلا للشيطان, والهوى, والنفس, ولكل مخلوق خلقه الله –تعالى-, فإن العزة والشرف والفخر والرفعة والحرية كلها في طاعة الله, فلا تذل نفسك في طاعة المخلوقين (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) ().
لا تسأل الناس! لا تذل للناس! لا تذل نفسك وتنزلها لمخلوق مثلك ضعيف, وقد تكون أنت أرفع منه وأفضل منه.
فإذا جعلت نفسك عزيزا فإن الخلق يتعجبون لعزتك حتى ولو كنت ذليلا, ويتعجبون لقوتك حتى ولو كنت ضعيفا, ويتعجبون لغناك حتى ولو كنت فقيرا{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ}().
الثقة بالنفس مع ربط التوكل على الله يجعلك تعيش حياة العزّ والكرامة, حياة السرور والسعادة, ما الذي يخيفك, وقد جعلك الله قويا؟ وما الذي يحزنك, وقد جعلك الله سعيدا؟ وما الذي يذلك وقد جعلك الله حرّا؟ كن متوكلا على الله فقط, فالتوكل على الله زاد المؤمنين يثبتهم عند الفزع، ويدفعهم إلى الإقدام، ويملأ قلوبهم بالعزة عند السؤال، المؤمن الحق يجد في التوكل على الله راحة نفسية وطمأنينة قلبيه، فإذا أصابه خير علم أنه هو الله المدبر الذي ساقه إليه، فحمده وشكره فكان خيراً له، وإن أصابته شدة أيقن أن الله هو الذي أصابه بها اختباراً له وابتلاءً، فصبر واسترجع فكان خيراً له{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}().
كن واثقا من خطواتك, وأثار أقدامك, لا يهمك ما قيل, وما سيقال, المهم والأهم عندك كيف ترضي ربك, سخط الناس أم رضوا. افرض هيبتك! افرض عزتك! فصاحب العزة له من الهيبة والوقار ما يسعد قلبه وينسي همومه, يُحكى أن ثعلبا أوقع أسدا في حفرة, فقال الثعلب للأسد بعد أن أوقعه في حفرة وظن أنه سيهلكه فيها: سأفضحك بين الحيوانات بضعفك. فضحك الأسد, وابتسم وقال: مهما فعلت فسأظل أنا أسدا, وستظل أنت ثعلبا.
فكن شجاعا ومقداما واقتدِ بأحبابك الأنبياء ,فإن الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- كانوا شجعاناً، فإبراهيم -عليه السلام- لم يحمل التوحيد متكاسلاً متوانياً في بيته، بل قام على الأصنام بالفأس فكسر رءوسها{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ}().
أيضاً موسى -عليه السلام- بارز في الميدان بقوة الحجة ومعه العصا، يقول لفرعون: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً}().
أيضاً محمد -صلى الله عليه وسلم- ما علمت أشجع منه على مر التاريخ.
ينام في بيت واحد ويطوّق بخمسين مقاتل, ويخرج عليهم ويحثو عليهم بالتراب{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}().
ينام في الغار ويقول: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}() ويحضر الحروب بنفسه -صلى الله عليه وسلم، ويدمر الأعداء ويعيش -صلى الله عليه وسلم- شجاعة، ويبتسم في المعركة, وهو أنيس القلب مع الله -سبحانه وتعالى-.
وهذا أبو بكر –الصديق-, يقول: ((والذي نفسي بيده لو منعوني عقالاً أو عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله لقاتلتهم عليها)) ()فهذا هو الرأي؛ أن تقدم رأيك وتثبت عليه بشجاعة وبتفان أيضاً.
وهذا علي - رضي الله عنه –, يقول في ساعة الوطيس في المعركة:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
كليث غابات كريه المنظره
أكيلكم بالسيف كيل السندرة()..
وهذا خالد بن الوليد, لقّب بسيف الله المسلول, لشجاعته. فمات وهو يقول: لا نامت أعين الجبناء.
وهذا حبيب بن زيد, دخل على مسيلمة الكذاب معتزاً بقوة الله –تعالى- متجرداً من قوة الأرض, يقول له مسيلمة: أتشهد أني رسول الله؟ فيقول ذلك الشجاع المقدام: إن في أُذني صمم لا أسمع()شجاعة وأيُّ شجاعة.
وهذا ابن تيمية, في مصاولة الباطل؛ فإنه بلغ مبلغاً عظيماً، كان يخطب وحوله السيوف تلمع والسياط والجنود، وكان يتكلم بشجاعة، فيقول له السلطان: كأنك تريد ملكاً يا ابن تيمية. قال: ما ملكك ولا ملك آبائك عندي يساوي فلساً، إني أريد جنة عرضها السماوات والأرض().
فكن شجاع القلب, والنفس, ولا تذل نفسك وتحقرها, فالإنسان الشجاع واسع البطان، مسرور القلب، بهيج النفس, مفتوح الصدر, عالي الهمة, رافع الرأس, لا يخاف في الله لومة لائم.
كن عزيز النفس بالله –تعالى- فمن اعتز بالله اعتزّ, وهانت أمامه الصعاب, ومن اعتزّ بغير الله ذل، ومن استعان بغيره خاب، ومن توكل على غيره افتقر، ومن أنس بسواه كان في عيشة موحشة، ولو غمرته الأضواء وحفت به المواكب.
إن هذا الخطاب المشجع للضمير لا يدعوك إلى الشجاعة والعزة حتى تسقط في بحر التكبر, احذر من خطأ الفهم, فالكبر مذموم, والشجاعة والشعور بالعزة في كنف الله مشروعة.