تعلمت من سليمان مع النملة حين تبسم لها, فما أجملها من بسمة حين تأتي من القوي في وجه الضعيف, ومن الكبير في وجه الصغير, ومن الغني في وجه الفقير, تفتح القلوب بغير مفتاح, وتأسر القلوب وتجمعها, وهذا من أعلى مراتب حسن الخلق((وتبسمك في وجه أخيك صدقة))(). فمن علامات حسن الخلق: البشر وطلاقة الوجه؛ فإن الابتسامة دليل على حسن الخلق؛ وتوطن النفس على الأخذ بمحاسن الأخلاق؛ فالبسمة في وجه أخيك هي من أغلى ما تهديه إليه .. وبها تدخل السرور في قلب أخيك المسلم, فإن أثر طلاقة الوجه على النفوس لا يجهله أحد, وهو أثر ملموس يحسه كل أحد عندما يجد البسمة من أخيه، فالابتسامة تكسر كل الحواجز, وتنهي كل الضغائن, وتريح النفوس, وتجمع القلوب, وتدعو إلى المسامحة والتآلف والمحبة, وتشجع على التعاون والتكاتف والتآخي.
والابتسامة: هي أقل أنواع المعروف وذلك لأنها لاتتطلب مزيد عمل أو جهد وإنما يكفي فقط المبتسم أن يتبسم دون أن يتكلم أو يعمل شيئا, ومن الفوائد كذلك: أن الابتسامة: من المعروف؛ لأن طلاقة الوجه هي التبسم والبشاشة فتكون من المعروف وهذا يدل على أن المبتسم يؤجر على ابتسامته وطلاقة وجهه, لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه هنا معروفا والمعروف هو: إسداء الخير للغير فيكون مأجورا عليه صاحبه, ويدل على ذلك أيضا: أن العلماء عرفوا حسن الخلق بتعريف شامل لهذا المعروف فهو: بذل المعروف, وكف الأذى, وطلاقة الوجه. ولا شك أن للابتسامة العديد من الفوائد والثمار التي يحصل عليها المتبسم كما يحصل عليها الآخرين, ومن ثم تعود تلك الفوائد والثمار على المجتمع بأسره.
حتى إن الابتسام للحياة يضيئها، ويعين على احتمال مشاقها، والمبتسمون للحياة أسعد الناس حالا لأنفسهم ومن حولهم، بل هم أقدر على العمل، وأكثر احتمالا للمسؤولية، وأجدر بالإتيان بعظائم الأمور التي تنفعهم، وتنفع الناس؛ فذو النفس الباسمة المشرقة يرى الصعاب فيلذه التغلب عليها، ينظرها فيبتسم، وينجح فيبتسم، ويخفق فيبتسم, وإذا كان الأمر كذلك فأحرى بالعاقل ألا يرى إلا متهللا.
وذو النفس العابسة المتجهمة لا يرى صعابا، فيوجدها، وإذا رآها أكبرها، واستصغر همته بجانبها، فهرب منها، وطفق يسب الدهر، ويعاتب القدر.
فمن أراد الأنس فليجاهد نفسه على تكلف البشر والطلاقة، وعلى تجنب العبوس والتقطيب جملة; حتى تألف ذلك نفسه، وتأنس به أنس الرضيع بثدي أمه.
وحينئذ ترق حواشيه، وتلين عريكته، ويؤنس في حديثه، ويرغب في مجلسه.
روي عن أبي حاتم أنه قال: البشاشه إدام العلماء, وسجية الحكماء, لأن البشْر يطفيء نار المعاندة, ويحرق هيجان المباغضه, وفيه تحصين من الباغي, ومنجاة من الساعي, ومن بش للناس وجها لم يكن عندهم بدون الباذل لهم ما يملك.
الق بالبشر من لقيت من الناس ... جميعا ولاقهم بالطلاقه
تجن منهم جنى ثمار فخذها ... طيبا طعمه لذيذ المذاقه().
ففي تعاملك: لابد من سماحة وطلاقة وجه، وحسبنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أرشدنا إلى مفتاح القلوب، وإلى السلاح الذي يكسر الحواجز والأبواب حول النفوس التي غلفتها الأهواء عندما قال: ((تبسمك في وجه أخيك صدقة))، فما أحسن ذلك الرجل الذي تلقاه فتلقى ابتسامته تشرق كأنها شمس النهار، فيدخل السرور على قلبك، ويبدد ما علاك من الهموم، ويمسح عنك ما قد خالطك من الأحزان والأرزاء.
فيالها من راحة حين تمزج بالبسمة تسطيع خلالها أن تفتت القلوب الصخرية، والأنفس الصماء ولذلك كان -عليه الصلاة والسلام- صدرا رحبا وسع جميع الصحابة، ووسع الجهلاء والغلظاء من الأعراب، وما ضاق عنهم حلمه -عليه الصلاة والسلام-، بل وسعتهم أخلاقه العظيمة وشمائله الكريمة، وبذل لهم من عظيم صبره، وبذل لهم من سماحة نفسه -عليه الصلاة والسلام-. فاستأسر القلوب، وسبى المشاعر والنفوس، وخطف الألباب والأبصار؛ فكان قدوة عظيمة لكل من جاء إليه ولكل من كان معه ولكل من التف حوله{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}().
تلك عشرة كاملة, أخذتها من النملة لمن كان له قلب يريد السعادة.