السعادة التي تطلبها هي بين يديك, فلا تتقاعس, ولا تتكاسل, ولا تتانّى في المسارعة إليها, والمسابقة للحصول عليها{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}() {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ}() {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}().
التسويف والتأجيل هو داء نعاني منه في أمورنا كلها, نؤمن بالمثل القائل: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد ولكننا لا نطبق ما نؤمن به على أرض الواقع؛ لذا نفشل في بناء مستقبلنا في الدنيا كما في الآخرة.
فالعمر يمضي ونحن نردد .. غدا سأفعل .. سأفعلها ولكن بعد أن أفرغ من هذه .. مازلت صغيرا إذا كبرت سأفعلها .. بعد أن أتزوج سألتزم بالدين .. بعد أن أتخرج .. بعد أن أحصل وظيفة .. بعد أن .. بعد أن ... وهكذا نمضي أيامنا في سبيل لا نهاية له إلا الموت.
ولا ندري هل يأتي غدا ونحن أحياء .. أم نكون وقتها تحت الثرى!.
فإن أصبحت فلا تنتظر المساء, وإن أمسيت فلا تنتظر الصباح, وإذا أردت دعاء فمن الآن, وإذا أردت مقاطعة لذنوبك فمن الآن, وإذا أردت صلاة وصياما فمن الآن, وإذا أردت برا لوالديك وصلحا مع أحد وصلة أقاربك فمن الآن, وإذا أردت دعوة إلى الله وأمرا بمعروف ونهيا عن منكر فمن الآن, وإذا أردت وقفا لرشوة أو فسادا أو وساطة فمن الآن, وإياك والتسويف, فالشيطان لا يأمر المؤمنين بالامتناع عن الأعمال الصالحة؛ ولكن يأمرهم بتأجيلها, فإذا أجلوها تركوها -في أغلب الأحوال-, فلا تسلمن نفسك للشيطان, ولا تكن متبعا لهواك؛ تلك عشرة كاملة لو فهمناها وتحركنا بها لتلذذنا بالعيش في هذه الحياة الدنيا وفي الآخرة, لو أخذناها وسارعنا بالعمل بها لغمرتنا السعادة من كل جانب, ولشعرنا بالطمأنينة بداخلنا, ولطعمنا الحياة كما هي جميلة رائعة, ولتحركنا في أرض الآمان لا نخاف ولا نحزن.
العمل الذي يطلب منك اليوم أنجزه ولا تؤخره لغد؛ لأن غداً فيه عمل جديد, فكل يوم له عمله، فإذا أخرت عمل اليوم إلى الغد جئت في اليوم الثاني وقد تراكمت عليك الأعمال, وإذا أخرته لليوم الثالث صار عمل ثلاثة أيام, وإذا تراكمت الأعمال عليك وجئت في لحظة من اللحظات وأردت أن تنجزها تجدها كثيرة، وحينها تشعر بالقلق والاضطراب والحزن, لكن عندما تنجز عملك أولاً بأول ستشعر بالسعادة والارتياح وتعرف قيمتك.
فيا أخي! إن أردت العمل فاعمل من ساعة القصد, ولا تتكاسل, فإن أردت أن تقطع شجرة فلا تقل غدا, ويأتي غدا وتقول غدا, ويأتي غدا وتقول غدا, فنصيحتي لك: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد! اقطع الشجرة من يومك لتشعر براحة في قلبك وانك أتممت عملا, ولا تؤجلها, فيأتي اليوم التالي فتزداد كسلا إلى كسلك وتزداد الشجرة نموا إلى نموها, وكل تأخير تأخره يُحسب لصالح الشجرة من حسابك أنت, فلا تكن غبي! فاللبيب من عرف ما له مما عليه وسارع بإتقان عمله وإكماله, فأراح نفسه من داوي الهموم والكسل.
فاحرص -يا أخي- على فعل ما ينفعك وداوم عليه ولا تقل بعد قليل...بعد ساعة...بعد كذا... استغل الفرص, وفي الحديث: (( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز ...)) () فاستغل هذا العمر بفعل الخير وداوم عليه, احرص على الصلاة, احرص على الصيام, احرص على القرآن ففيه كشف كل الأحزان, احرص على الذكر, احرص على الاستغفار, احرص على الصدقة, ابذل ما في وسعك, كن كريما! كن جوادا! لا تبخل! كن رحيما! كم متعاطفا! كن في كل الأمور مسرعا ولا تتأنى ولا تتأتى ولا تؤجل عمل اليوم إلى غد, واقتدِ بمن قبلك{إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}(){أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ}() ولا تفهم من كلامي أن تسارع في كل شيء حتى في الحرام!. احذر واعتبر بمن سبقك{يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}() بئس ما صنعوا في المسارعة الآثمة. لا تكن مثل هؤلاء!. فالقصد من كلامي في الخير والعمل النافع.