الحياة مفطورة على النكد والتعب والشقاء, ولكنك تستطيع أن تصنع من مرارتها سعادتك. فإذا قابلت فيها مرّ الإساءة من البشر, فاصنع من ذلك البسمة وسلامة الصدر، وإذا عانيت ألم الفقر فاصنع من الألم الرضا بما قدره الله لك، وإذا كرهت مخالطة الناس فاصنع من العزلة كتبا وعلما، وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأضف إليه حفنة من سكر، وإذا أهدى لك ثعبانا فخذ جلده الثمين واترك باقيه، وإذا لدغتك عقرب فاعلم أنه مصل واق ومناعة حصينة ضد سم الحيات. هكذا تجعل مرّ العيش سعادة وسعادة العيش سعادتين.
جوهر الماس ما الذي جعله ماسا غاليا وقد كان قبل هذا فحما?!.. إنه التعرض للضغط العالي فأنتج ماسا جوهرا غالي الثمن..
عطشت أُمنا هاجر في صحراء مكة، فأسقت الحجيج بماء زمزم.
نبي الله يوسف, سٌجن، فصنع من السجن منبرا للتوحيد والفُتيأ.
أُخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة وهي أحب البقاع إليه، فأقام في المدينة دولة إسلامية أرعبت القياصرة والأكاسرة.
عمر ابن الخطاب, يسلُّ سيفه لقتل محمد، فأعزّ الله به الإسلام.
خالد ابن الوليد, يتسبب لجرح النبي، فأعزّ الله الإسلام بسيفه.
بلال ابن رباح, يُباع ويُشترأ في الأسواق، فرفع الله الأذان بصوته.
وحشي, يقتل عم النبي بحربته، فقطع بها حياة أكبر أعداء الله مسيلمة الكذاب.
ابن حذافة السهمي, أُسر في سجون الروم، فأطلق سراح أسرى المسلمين.
الإمام البخاري, طُرد من بخارى، فأسقى الأمّة من كتابه الصحيح.
الإمام مسلم, فرقوا بينه وبين شيخه البخاري، فرد كيدهم إليهم بالمسند الصحيح.
الإمام أحمد, جُلد وضُرب، فأمَّ المصلين في السجن وعلمهم، وصار إماما لأهل السنة.
الشافعي, باع خبزته ليتعلم، فاشترينا مذهبه الفقهي بأموالنا.
وهذا الطبري, سُرقت بضاعة قوته فباع لباسه، فبعنا ملابسنا لشراء مؤلفاته.
وإذا أنت بالمقدسي, ذهب بصره فصار يقال: أمير المؤمنين في الحديث: عبد الغني المقدسي.
وانظر إلى أبو لهيعة!, احترقت كتبه، فصار من أوعية العلم.
وحبس ابن تيمية، فأخرج من حبسه خمسة وعشرين مجلدا.
ووضع السرخسي في قعر بئر معطلة، فأخرج عشرين مجلدا في الفقه.
وأقعد ابن الأثير، فصنف جامع الأصول والنهاية من أشهر وأنفع كتب الحديث.
ونفي ابن الجوزي من بغداد، فأتقن القراءات السبع.
إن داهمتك المصاعب فانظر في الجانب المشرق منها{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}().
أعرف رجلا مستقيما لا يقطع صلاة الجماعة، كانت إحدى ساقيه معاقة لكنه يستطيع المشي بها عرجا، فأصبح لا يستطيع الالتحاق بالتدريب العسكري لطلب الوظيفة ومع هذا لا يستطيع طلب العلم لنيل الشهادة، فأغلقت عليه منافذ الرزق المقاس عليها عند الناس، والناس ينظرون إليه نظرة رجل فقير، ولكنه صنع من نفسه رجلا مكابدا الحياة، فبدأ يعتمد على نشاطه وحركته بالعمل مع الناس مقابل أجرا يأخذه آخر اليوم, وهذه عادته طوال حياته فمرّت الأيام وتحسن وضعه المادي حتى أن الناس بدأوا ينظرون إليه كرجل غني.
ورجل آخر أعرفه وقع فيه الناس بسوء الظن ولمزه بالألقاب المذمومة, فتعكر مزاجه, وساء حاله, فاعتزل الناس وكان دائما جليس الوحدة، فصنع من العزلة رجلا عظيم الشأن، لازم الدراسة وطلب العلم، وهكذا مرّت الأيام حتى نال أعلى الشهادات الجامعية.
أنت أنت!! اصنع من ليمون العيش شرابا حلوا فتحول الخسارة إلى أرباح، ولا تكن أحمقا وتجعل المصيبة مصيبتين.
إن طاف بك طائف الهمّ والضيق فلم تستطع النوم فقم حالا وتوضأ وصلّ ورتل القرآن ترتيلا تستطيع حينها أن تجعل خسارة نومك ربحا وفوز, أما وإنك تتقلب في فراشك ضيّق الصدر, معكر البال، فلا إنك نمت ولا إنك أرحت نفسك من الهمّ فذلك همٌّ في هميّن يساوي مصيبتين.
هذا عباد ابن بشر الأنصاري يتولى حراسة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابة وهم نيام، في إحدى الغزوات في شعب من الشعاب فما كان منه حين تولى مهمة الحراسة الصعبة إلا أن أضاف إلى ليمون الحراسة سكر العبادة فبدأ يتلذذ بالصلاة والتلاوة والمناجاة.
وهكذا هي سنة الله في خلقه بلايا تمتحن العباد لُيعلم من يصنع من بليته شراب حياته, فكم سمعنا عن أناس في السجون لا يُعلم عنهم شيء, فخرجوا حفاظا لكتاب الله, ودعاة لله, وصالحين. وكم سمعنا ورأينا من أناس أخذ الله أبصارهم فأبصروا الطريق بقلوبهم فأصبحوا أئمة يُقتدى بهم ويُؤخذ من علمهم. وكم رأينا من فقراء فمشوا في مناكب الأرض فأصبحوا من تجار العالم.
إن هذا الهتاف البارد لا يدعوك للوقوف مكفوف اليدين أمام البلاء المُرّ تنتظر هدية السماء، بل يدعوك أن تنظر في الجانب الذي يزهو, وتثبت أمام البلاء بجدية, وهمة عالية, لتصنع لنا أشياء عظيمة الشأن, بعيدة المدى، لتكون عند الله: رجل أعمال صالحة، وعند الناس: رجلا ذكي وفطن، وعند المستقبل: رحمه الله ثبت وأهدى لنا أفعاله.