الحمد لله على فضله وإحسانه, والشكر له على توفيقه وامتنانه, أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, وصفيه وخليله, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وكل من سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين..
وبعد.
أخي القارئ لقد وصلتُ إلى إتمام هذا الكُتيّب الطيب, وقد جعلته كتابا ذو حدّين, حدّه الأول: أنه يسعى لتحقيق هدف السعادة في الدنيا. وحدّه الآخر -وهو أحدُّ من الأول-: أنه يسعى لتحقيق الهدف الأساسي لسعادتك في الحياة الآخرة, -وبإذن الله- أصبتُ الهدف وحققت الغاية لتكتمل لك الرؤية الواضحة.
ولك أن تعرف أن السعادة ليست أن تسلك دروبها بقراءة سطور الكتاب وشهادتك للكاتب بالإتقان, وليست أحرفا تُكتب أو كلاما يُقال, كلا ولن!, إنما السعادة لغة خاصة لا يجيدها إلا أهل الفنّ لهذا الفنّ, ولا يعرفها حق المعرفة إلا من سلك دروب السعادة بلسانه وقلبه وجوارحه, فاللسان يقرأ, والقلب يصدّق, والجوارح تعمل.
-وقد اهتميت بعزو كل كلمة إلى صاحبها, اللهمّ إلا ما كان في سياق الكلام مع حشو مني إليه فقد عزوته في قلبي داعيا لصاحبه بالمغفرة والرضوان, والله يعلم إني شاكرا لهم على كل ذلك؛ وذلك لصعوبة العزو في كلمات متفرقات-..
ولك أن تعذرني فقد جعلتك تمشي في دروب السعادة دربا دربا, وأن ظني فيك أنك ستنال مبلغاً من التعب والجهد, فإن لم يخب ظني فإني قد ضربتُ الحسبان لهذه المسألة ووضعت لك وقفات استراحة, تستريح فيها وتحط فيها رحل تعبك, وترد فيها أنفاس ملَلِكَ, وهكذا تواصل السير جادّا في الدروب, فإن وجدت سارع وبادر فسارع وبادر, وإن وجدت تمهّل وتأنِّ فرويدا رويدا... حتى تصل إلى قمة الدروب, وهناك تجد ضآلتك وبغيتك, فإنها القمة التي شمّر لها المشمرون, وعليها تنافس المتنافسون, ولها ضحى أنبياء الله المرسلين, وعباد الله الصالحين..
ولك أن تعلم أني بشر, والبشر يخطئ ويصيب, ولا عصمة لأحد إلا من عصمه الله –تعالى-, ومهما رأيتَ من خطأ، أو التباس في الكلام، أو زيادة حرف أو نقصان, أو وجدتَ لفظا معناه يحكي لك غيره, فاعلم أنني إنما أردتُ الخير والصواب، سواء علمتُ أو لم أعلم؛ فعلى ذلك أحمل كلامي، ودعك من ملامي؛ فلستُ بمعصوم، ولا تدخر نصحا عن أخيك؛ إذ كلٌّ منا مرآة لأخيه.
واعلم أن الكتاب وكاتبه غير معصومين من الخطأ والنسيان, والسهو والهذيان, فإن وجدتَ من ذلك شيء فإياك أن تنهش نهش الأسد, وتلدغ لدغ الحية, وتلسع لسع العقرب, وإياك أن تُعالج الخطأ بخطيئة أعظم, فتكون كمن رأى أخيه مريضا فأراد أن يفعل الخير ويعالجه, فأعطاه الدواء وهو ليس بدواء بل هو سمّا, فمات المريض مسموما.
واعلم أن ظني في دروبي أنها صائبه, ولكن رب العالمين يعلم كم فيها من أخطاء واردة, فإن وجدت فلا تجعل الخطأ سبب لحرماني من أُخوّتك, وصحبتك ودعوتك, والذنب لا يهجر له الحبيب، والروضة الحسناء لا تترك لموضع قبر جديب، والحسنات يذهبن السيئات، وترك المصالح الراجحة للمفاسد المرجوحة من أعظم المباآت، والكلام يعضد بعضه بعضا، ومن أسخطه تقصير يسير فسيقف على إحسان كبير فيرضى.
ولو ذهبنا نترك كل كتاب وقع فيه غلط، أو فرط من مصنفه سهو أو سقط، لضاق علينا المجال، وقصر السجال، وجحدنا فضائل الرجال، وفاتنا فوائد تكاثر عديد الحصا، وفقدنا عوائد هي أجدى علينا من تفاريق العصا. ولقد نفع الله الأمة بكتب طارت كل مطار، وجازت أجواز الفلوات وأثباج البحار، وما فيها إلا ما وقع فيه عيب، وعرف منه غلط بغير شك ولا ريب، ولم يجعله الناس سببا لرفضها وهجرها، ولا توقفوا عن الاستضاءة بأنوار الهداية من أفق فجرها.
فسدد الله الخطأ, وبارك في الجهود, وهدى إلى الصواب, من القول والعلم والعمل وكفى بربك هاديا ونصيرا.
فنستغفر الله –تعالى- من كل ما زلت به القدم، أو طغى به القلم، ونستغفره من أقوالنا التي لا توافقها أعمالنا، ونستغفره من كل علم وعمل قصدنا به وجهه الكريم ثم خالطه غيره، ونستغفره من كل وعد وعدنا به من أنفسنا ثم قصَّرنا في الوفاء به، ونستغفره من كل نعمة أنعم بها علينا فاستعملناها في معصيته، ونستغفره من كل تصريح وتعريض بنقصان ناقص، وتقصير مقصِّر كنا متصفين به، ونستغفره من كل خطرة دعتنا إلى تصنع وتكلف تزينَّا للناس به.
فاللهمّ صلِّ وسلم وبارك على عبدك وحبيبك محمد, وعلى آله وأصحابه وأزواجه, وكل من سار على نهجه, واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
تم الكتاب وربنا المحمود ... وله المكارم والعلا والجود
وعلى النبي محمد صلواته ... ما ناح قمري وأورق عود.
كتبه الراجي مغفرة ربه...
أبِي الليْثِ العَرِيقِي/ هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي
غفر الله له ولوالديه وأهله وجميع المسلمين..