حتى تعيش عيشة طيّبة, وفي راحة وطمأنينة وهدوء, لا تقارن نفسك بالآخرين؛ فإن الناس في طبائعهم ومواهبهم وقدراتهم وتصرفاتهم يختلفون عنك تماما, ولكلِّ واحد صفته الخاصّة به, فعليّ يختلف عن زيدٍ, وعمر لا يشبه زيد{قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ}(){وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}()فاحذر أن تقارن نفسك بغيرك في النعم والمواهب؛ فإن هذا يوصلك إلى الحزن والكدر واليأس والضجر, واعمل وكأنك أنت المُخاطب في قوله: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}().
كن مكتفٍ بما وهبك الله من المواهب, واعمل لنفسك, وشغّل مواهبك لتسعد بما عملته بنفسك فالمقارنة بالآخرين ستجلد نفسك, وتسحق روحك, وتعيش منغضّاً مكدرا, في قلبك سماسير وأشغال وهموم وغموم؛ لإن قلبك مشغول بما في أيدي الناس, فلا تقل عند فلان أشياء ليست عندي, وفلان بلغ ما لم أبلغهُ, وأُريد أن أصِلَ إلى ما وصل إليه فلان في علمه وعمله وتجارته وشغله؛ فتصبح في بحر من الهموم لا تكاد أن تخرج إلى ساحله لترتاح, وتجري إليك الأحزان, فابتعد عن هذا الأمر فإنه ليس مطروحا لك.
فابتعد عن المقارنة فأنت خُلقت وحيدا, وستموت وحيدا, وستبعث وحيدا, وخلق الله لك مواهب وأوصاف لم توجد عند أيّ فلان, وصورّك في صورة لا يشبهك فيها أحد من ذرية آدم, فاجعل عملك لوحدك دون أن تنظر إلى ما فعله فلان!, أو إلى أين وصل فلان!, فإذا بدأت بالمقارنة في ما عندك وفي ما عند الناس؛ بدأت تسلك دروب الهموم والأحزان وستعيش مكسور الجناح, ولربما وجدت من الخلق من هو أكثر منك مالا, وقوة, وعلما, وعملا, وأجمل منك صورة؛ حينها ستنصعق وتنصدم بجدار اليأس والقنوط.
اعمل لنفسك, فالذي أعطاك هو الذي قد أعطاهم, والذي منحهم تلك المواهب هو الذي أعطاك تلك العطايا, واحمد الله الذي عافاك ولم يبتليك, وجعلك صحيحا معافاً, فالصحة كنزٌ عظيم لديك فاحمد الله عليها.