عليك يا أخي أن أردت العيش بدون يأسٍ, اعمل بالدوام حتى وإن قلّ, المهم أن يكون مُدَاوم, ففوائده كثيرة منها: أنه يُطرد عنك الفراغ, ويعلمك الصبر, ويطرد عنك الملل والكسل والسأم واليأس, يعلمك درسا في الحياة عنوانه: ((خيرُ العمل ما داوم عليه صاحبُه وإن قلَّ))().
يقول الشوكاني: أوصاني بعض العلماء فقال: لا تنقطع عن التأليف ولو أن تكتب في اليوم سطرين. قال: فأخذت بوصيته، فوجدت ثمرتها().
فداوم على العمل ولا تفتر حتى وإن كان قليلا, فالبركة تأتي في القليل فتكثره, حافظ على صلاة الوتر وداوم عليها حتى وإن تكن ركعة واحدة فيكفي, وحافظ على تلاوة القرآن وداوم عليه حتى وإن تقرأ في اليوم صفحة أو صفحتان كان ذلك أفضل من هجره, ألّف كتابا تخدم به المسلمين حتى ولو باليوم الواحد عشرين حرفا تكتب في الصفحة الواحدة خيرٌ من لا شيء{وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}() وإنما يأتينا الاضطراب من أننا نريد أن نفعل كل شيء مرة واحدة، فنمل ونتعب ونترك العمل، ولو أننا أخذنا عملنا شيئا فشيئا، ووزعناه على مراحل، لقطعنا المراحل في هدوء، واعتبر بالصلاة، فإن الشرع جعلها في خمسة أوقات متفرقة، ليكون العبد في استجمام وراحة، ويأتي لها بالأشواق، ولو جمعت في وقت، لملَّ العبد، وفي كلام علي: إن المنبت لا ظهرا أبقى ولا أرضا قطع(). ووجد بالتربة، أن من يأخذ العمل على فترات، ينجز ما لم ينجزه من أخذه دفعة واحدة، مع بقاء جذوة الروح وتوقد العاطفة.
أما ترى الحبل بطول المدى ... على صليب الصخر قد أثرا.
بمعنى دوام ولو على القليل، قليل دائم خير من كثير منقطع، والديمومة والاستمرار في العطاء تجعل العمل وإن كان ضئيلا أصيلاً مستطاعا مذللاً يقام به في عير ما عناء، ليس المهم قدر العمل بل الاستمرار في أدائه، فالقطرة الدائمة تصبح سيلاً عظيماً.
اليوم شيء وغدا مثله ... من نخب العلم التي تلتقط
يحصل المرء بها حكمة... وأول السيل اجتماع النقط