نصيحتي لك إن أردت السعادة لقلبك فاجعل قلبك معلّق بالله، متوكلا عليه، متفائلا لكل خيرا منه، ولا تخاف مما يُذاع، ويُقال ويُشاع، فإن أكثر ما يُقال لا حقيقة له، وأكثر ما يُشاع لا واقع له..
وأكثر الناس ﻳﺘﺸﺮﺏ اﻝﺷﺎﺋﻌﺎﺕ ﻭاﻷﺭاﺟﻴﻒ، وﻳﻨﺰﻋﺞ ﻟﻠﺘﻮاﻓﻪ، وﻳﻬﺘﺰ ﻟﻠﻮاﺭﺩاﺕ، وﻳﻀﻄﺮﺏ ﻟﻜﻞ ﺷﻲء، وﻫﺬا اﻟﻘﻠﺐ الذي يحمل فيه كل هذه ﻛﻔﻴﻞ ﺃﻥ ﻳﺤﻄﻢ ﺻﺎﺣﺒﻪ، ﻭﺃﻥ ﻳﻬﺪﻡ ﻛﻴﺎﻥ ﺣﺎﻣﻠﻪ، وأن يسلبه سعادته، ويقطع عليه نَفَس حياته، مهما كانت الأموال لديه، والجنود حواليه، لا يطعم الحياة، ولا يجد هنأ العيش وهو كالإسنفجة يشرب من كل شائعة، ويخاف من كل أرجوفة، وينزعج من التوافه..
والصراع بين الإنسان والشائعات، صراع قديم، ﺻﺮاﻉ ﻳﺴﺘﻬﺪﻑ ﺃﻋﻤﺎﻕ اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻳﺆﺛﺮ ﻓﻲ ﻛﻴﺎﻥ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻭﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺤﺮﻭﺏ ﻭاﻷﺯﻣﺎﺕ، ﻭاﻟﻜﻮاﺭﺙ ﻭاﻟﻨﻜﺒﺎﺕ، والأمراض والمصائب والبليات، ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ ﺑﺄﺳﻠﺤﺘﻬﺎ اﻟﻔﺘﺎﻛﺔ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺟﺴﺪﻩ ﻭﺑﻨﺎﺋﻪ، وأمنه واستقراره، وسعادته وأفراحه، ﻓﺈﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﺣﺮﺑﺎ ﺳﺎﻓﺮﺓ ﻣﺴﺘﺘﺮﺓ، ﺗﺘﻮاﻟﺪ ﻋﻠﻰ ﺿﻔﺎﻑ اﻟﺤﻮاﺩﺙ ﻭاﻟﻤﻠﻤﺎﺕ، ﻭﺗﺘﻜﺎﺛﺮ ﻓﻲ ﺯﻣﻦ اﻟﺘﻘﻠﺒﺎﺕ ﻭاﻟﻤﺘﻐﻴﺮاﺕ، ﻭﻫﻲ ﺃﺷﺪ ﺿﺮاﻭﺓ ﻭﺃﻗﻮﻯ ﻓﺘﻜﺎ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺗﺴﺘﻬﺪﻑ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﻋﻤﻘﻪ ﻭﻋﻄﺎﺋﻪ، ﻭﻗﻴﻤﻪ ﻭﻧﻤﺎﺋﻪ، وهي ﺣﺮﺏ اﻝﺷﺎﺋﻌﺎﺕ..
ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ الناس ﻣﻤﻦ ﻳﻨﺴﺎﻗﻮﻥ ﻭﺭاء اﻝﺷﺎﺋﻌﺎﺕ، ﻭﻳﻠﻐﻮﻥ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﺟﺪﻳﺪ اﻟﺬاﺋﻌﺎﺕ، ﻭﻳﺘﻬﺎﻓﺘﻮﻥ ﺗﻬﺎﻓﺖ اﻟﻔﺮاﺵ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺭ ﻋﻠﻰ اﻷﻭﻫﺎﻡ، ﻭﻳﺴﺘﺴﻠﻤﻮﻥ ﻟﻷﺑﺎﻃﻴﻞ ﻭاﻷﺣﻼﻡ، فهؤلاء يموتون قبل الموت، ويذبحون أنفسهم بأنفسهم، حياتهم همٌّ وغمٌّ وخوفٌ ورعبٌ يتوقون ماذا يحصل، وينتظرون حصول ما يسمعون, فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب.
فإذا كنت تتمنى السعادة فكن قويا أمام هذه الشوائع والأراجيف، ومقداما شجاعا لا تغيرك الزوابع، ولا تدمرك الشوائع، ولا تبالِ بما يُشاع، ولا تهتم لِما يُذاع، ولا تكن في ضيق مما يمكرون، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون..
إن اﻝﺷﺎﺋﻌﺎﺕ ﻣﻦ ﺃﺧﻄﺮ اﻟﺤﺮﻭﺏ اﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻭاﻷﻭﺑﺌﺔ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ، ﺑﻞ ﻣﻦ ﺃﺷﺪ اﻷﺳﻠﺤﺔ ﺗﺪﻣﻴﺮا، ﻭﺃﻋﻈﻤﻬﺎ ﻭﻗﻌﺎ ﻭﺗﺄﺛﻴﺮا..
لها رواج يبثونها، ﻓﻜﻢ ﺗﺠﻨﻮا ﻋﻠﻰ ﺃﺑﺮﻳﺎء، ﻭﺃﺷﻌﻠﻮا ﻧﺎﺭ اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺑﻴﻦ اﻷﺻﻔﻴﺎء، ﻭﻛﻢ ﻧﺎﻟﻮا ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎء ﻭﻋﻈﻤﺎء، ﻭﻛﻢ ﻫﺪﻣﺖ اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﻣﻦ ﻭﺷﺎﺋﺞ، ﻭﺗﺴﺒﺒﺖ ﻓﻲ ﺟﺮاﺋﻢ، ﻭﻓﻜﻜﺖ ﻣﻦ ﺃﻭاﺻﺮ ﻭﻋﻼﻗﺎﺕ، ﻭﺣﻄﻤﺖ ﻣﻦ ﺃﻣﺠﺎﺩ ﻭﺣﻀﺎﺭاﺕ، ﻭﻛﻢ ﺩﻣﺮﺕ ﻣﻦ ﺃﺳﺮ ﻭﺑﻴﻮﺗﺎﺕ، ﻭﺃﻫﻠﻜﺖ ﻣﻦ ﺣﻮاﺿﺮ ﻭﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺕ، ﺑﻞ ﻟﺮﺏ ﺷﺎﺋﻌﺔ ﺃﺛﺎﺭﺕ ﻓﺘﻨﺎ ﻭﺑﻼﻳﺎ، ﻭﺣﺮﻭﺑﺎ ﻭﺭﺯاﻳﺎ، ﻭﺃﺫﻛﺖ ﻧﺎﺭ ﺣﺮﻭﺏ ﻋﺎﻟﻤﻴﺔ، ﻭﺃﺟﺠﺖ ﺃﻭاﺭ ﻣﻌﺎﺭﻙ ﺩﻭﻟﻴﺔ، ﻭﺇﻥ اﻟﺤﺮﺏ ﺃﻭﻟﻬﺎ ﻛﻼﻡ، ﻭﺭﺏ ﻛﻠﻤﺔ ﺳﻮء ﻣﺎﺗﺖ ﻓﻲ ﻣﻬﺪﻫﺎ، ﻭﺭﺏ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺷﺮ ﺃﺷﻌﻠﺖ ﻓﺘﻨﺎ، ﻷﻥ ﺣﺎﻗﺪا ﺿﺨﻤﻬﺎ ﻭﻧﻔﺦ ﻓﻴﻬﺎ{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ}().
وﺇﻥ ﻣﺮﻭﺝ اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﻟﺌﻴﻢ اﻟﻄﺒﻊ، ﺩﻧﻲء اﻟﻬﻤﺔ، ﻣﺮﻳﺾ اﻟﻨﻔﺲ، ﻣﻨﺤﺮﻑ اﻟﺘﻔﻜﻴﺮ، ﺻﻔﻴﻖ اﻟﻮﺟﻪ، ﻋﺪﻳﻢ اﻟﻤﺮﻭءﺓ، ﺿﻌﻴﻒ اﻟﺪﻳﺎﻧﺔ، ﻳﺘﻘﺎﻃﺮ ﺧﺴﺔ ﻭﺩﻧﺎءﺓ، ﻗﺪ ﺗﺮﺳّﺐ اﻟﻐﻞ ﻓﻲ ﺃﺣﺸﺎﺋﻪ، ﻓﻼ ﻳﺴﺘﺮﻳﺢ ﺣﺘﻰ ﻳﺰﺑﺪ ﻭﻳﺮﻏﻲ، ﻭﻳﻔﺴﺪ ﻭﻳﺆﺫﻱ. ﻓﺘﺎﻥ ﻓﺘﺎﻙ، ﺳﺎﻉ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻓﻲ اﻟﻔﺴﺎﺩ، ﻳﺠﺮ اﻟﻔﺘﻦ ﻟﻠﺒﻼﺩ ﻭاﻟﻌﺒﺎﺩ، ﺇﻧﻪ ﻋﻀﻮ ﻣﺴﻤﻮﻡ، ﺫﻭ ﺗﺠﺎﺳﺮ ﻣﺬﻣﻮﻡ، ﻭﺑﺬّاء ﻣﺤﻤﻮﻡ، ﻳﺴﺮﻱ ﺳﺮﻳﺎﻥ اﻟﻨﺎﺭ ﻓﻲ اﻟﻬﺸﻴﻢ، ﻳﺘﻠﻮﻥ ﻛﺎﻟﺤﺮﺑﺎء، ﻭﻳﻨﻔﺚ ﺳﻤﻮﻣﻪ ﻛﺎﻟﺤﻴﺔ اﻟﺮﻗﻄﺎء، ﺩﻳﺪﻧﻪ اﻹﻓﺴﺎﺩ ﻭاﻟﻬﻤﺰ، ﻭﺳﻠﻮﻛﻪ اﻟﺸﺮ ﻭاﻟﻠﻤﺰ، ﻭﻋﺎﺩﺗﻪ اﻟﺨﺒﺚ ﻭاﻟﻐﻤﺰ، ﻻ ﻳﻔﺘﺆ ﺇﺛﺎﺭﺓ ﻭﺗﺸﻮﻳﺸﺎ، ﻭﻻ ﻳﻨﻔﻚ ﻛﺬﺑﺎ ﻭﺗﺤﺮﻳﺸﺎ، ﻭﻻ ﻳﺒﺮﺡ ﺗﻘﻮﻻ ﻭﺗﻬﻮﻳﺸﺎ، ﻓﻜﻢ ﺣﺼﻠﺖ ﻭﺣﺼﻠﺖ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ أكثر اﻷﺗﻘﻴﺎء، ﺑﺴﺒﺐ ﺷﺎﺋﻌﺔ ﺩﻋﻲ ﻣﺄﻓﻮﻥ، ﺫﻱ ﻟﺴﺎﻥ ﺷﺮﻳﺮ, ﻭﻗﻠﻢ ﺃﺟﻴﺮ، ﻓﻲ ﺳﻮء ﻧﻴﺔ، ﻭﺧﺒﺚ ﻃﻮﻳﺔ، ﻭﻫﺬا ﺳﺮ اﻟﻨﺰﻳﻒ اﻟﺪاﺋﻢ ﻓﻲ ﺟﺴﺪ اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ.
فانتبه أن تخاف الشائعات، وتشغل بالك بالأوهام والأرجوفات، فإنها حزن لا ينتهي لا سيما في هذا العصر الجديد، ﻭﻣﺎ ﺫاﻙ ﺇﻻ ﻟﺘﻄﻮﺭ اﻟﺘﻘﻨﻴﺎﺕ، ﻭﻛﺜﺮﺓ ﻭﺳﺎﺋﻞ اﻻﺗﺼﺎﻻﺕ، اﻟﺘﻲ ﻣﺜﻠﺖ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻗﺮﻳﺔ ﻛﻮﻧﻴﺔ ﻭاﺣﺪﺓ، ﻓﺂﻻﻑ اﻟﻮﺳﺎﺋﻞ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ، ﻭاﻟﻘﻨﻮاﺕ اﻟﻔﻀﺎﺋﻴﺔ، ﻭاﻟﺸﺒﻜﺎﺕ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺗﻴﺔ، ﺗﺘﻮﻟﻰ ﻛﺒﺮ ﻧﺸﺮ اﻝﺷﺎﺋﻌﺎﺕ اﻟﻤﻐﺮﺿﺔ، ﻭاﻟﺤﻤﻼﺕ اﻹﻋﻼﻣﻴﺔ اﻟﻤﺤﻤﻮﻣﺔ، ﻓﻲ ﺻﻮﺭﺓ ﻣﻦ ﺃﺑﺸﻊ ﺻﻮﺭ اﻹﺭﻫﺎﺏ اﻟﻨﻔﺴﻲ ﻭاﻟﺘﺤﻄﻴﻢ اﻟﻤﻌﻨﻮﻱ، ﺿﺪ سعادة الإنسان وراحته في ظل عقيدته ﻭﺛﻮاﺑﺘﻬﺎ ﻭﻗﻴﻤﻬﺎ، ﺇﻧﻬﺎ ﺃﻟﻐﺎﻡ ﻣﻌﻨﻮﻳﺔ، ﻭﻗﻨﺎﺑﻞ ﻧﻔﺴﻴﺔ، ﻭﺭﺻﺎﺻﺎﺕ ﻃﺎﺋﺸﺔ، ﺗﺼﻴﺐ الإنسان وهو في بيته، ﻣﺮﻛّﺰﺓ ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺋﻌﺎﺕ اﻟﺨﻮﻑ ﻭاﻟﻤﺮﺽ، ﻭﺇﺛﺎﺭﺓ اﻟﻘﻠﻖ ﻭاﻟﺮﻋﺐ ﻭاﻟﺤﺮﻭﺏ، ﻭﺯﺭﻉ ﺑﺬﻭﺭ اﻟﻔﺘﻨﺔ، ﻭﺇﺛﺎﺭﺓ اﻟﺒﻠﺒﻠﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻨﺎﺱ، ﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ اﻷﺯﻣﺎﺕ، ﻳﻮاﻓﻖ ﺫﻟﻚ ﻓﺮاﻍ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺘﻠﻘﻲ ﻭﻓﻀﻮﻝ، ﻭﺑﻄﺎﻟﺔ ﻭﺧﻤﻮﻝ، وأحزان وهموم، ونكد وضيق وغموم، ﻓﺘﺴﺮﻱ اﻟﺸﺎﺋﻌﺔ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﺴﺮﻯ اﻟﻬﻮاء، ﻭﺗﻬﻴﺞ ﻓﻴﻬﻢ ﻫﻴﺠﺎﻥ اﻟﺒﺤﺮ اﻟﻤﺘﻼﻃﻢ، ﻭﺗﻜﻤﻦ ﺧﻄﻮﺭﺗﻬﺎ وﺃﻧﻬﺎ ﺳﻼﺡ ﺟﻨﻮﺩﻩ ﻣﻐﻔﻠﻮﻥ ﺃﻏﺮاﺭ، ﺳﺤﺮﺗﻬﻢ اﻝﺷﺎﺋﻌﺎﺕ ﺑﺒﺮﻳﻘﻬﺎ اﻟﺨﺎﺩﻉ، ﻓﺄﺻﺒﺤﻮا ﻳﺮﺩﺩﻭﻧﻬﺎ ﻛﺎﻟﺒﺒﻐﺎﻭاﺕ، ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻮا ﺃﻧﻬﻢ ﺃﺩﻭاﺕ ﻳُﺴﺘﺨﺪﻣﻮﻥ ﻟﻤﺼﺎﻟﺢ غيرهم ﻭﻫﻢ ﻻ ﻳﺸﻌﺮﻭﻥ..
إن ﻣﻦ اﻷﻣﺮاﺽ اﻟﻨﻔﺴﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ الناس، اﻓﺘﺮاﺽ اﻷﺷﻴﺎء اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ ﺑﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﺷﺎﺋﻌﺎﺕ ﺃﻭ ﺗﻘﺎﺭﻳﺮ ﺗُﺴﻤﻊ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﺗﺼﺮﻳﺤﺎﺕ ﺗُﻘﺎﻝ، ﺃﻭ ﻋﻠﻰ ﻗﺮاﺭاﺕ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﺩﻭﻟﻴﺔ.
ﻭاﻟﻤﺒﺎﻟﻐﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ اﻷﻣﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻧﻮﻉ ﻣﻦ اﻟﺘﻴﺌﻴﺲ ﻭاﻹﺣﺒﺎﻁ، ﻭﻋﺪﻡ اﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﻠﻪ -ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ- وفرجه ونصره..
إنك لن تستطيع أن تلاقِ فلاحا في العيش، وراحة في القلب والبدن، وصوابا في القول والعمل، حتى تترك ما قيل، وتطرح ريبهم وظنونهم، وترفض شائعاتهم، وتعزم المسير، وتتوكل على الحي القيوم، الذي يراك حين تقوم، لا تخاف الحروب، ولا تهتم بالرزق، ولا تكتئب لحصول كارثة، أو مرض، أو مصيبة لربما لن تقع.
يقول أحد الخبراء الهنديون: ﺇﻥ ﻛﻞ ﻗﻠﻖ ﻭﺗﻌﺎﺳﺔ اﻟﻬﻨﻮﺩ ﺗﻘﺮﻳﺒﺎ ﺗﺼﺪﺭ ﻣﻦ ﻣﺨﻴﻠﺘﻬﻢ ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﻮاﻗﻊ(){يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ}().
فإذا ﺟﺎءﻙ ﺣﺪﺙ، ﻭﺳﻤﻌﺖ ﺑﻤﺼﻴﺒﺔ، ﻓﺘﻤﻬﻞ ﻭﺗﺄﻥ ﻭﻻ ﺗﺤﺰﻥ، ﻓﺈﻥ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ اﻷﺧﺒﺎﺭ ﻭاﻟﺘﻮﻗﻌﺎﺕ ﻻ ﺻﺤﺔ ﻟﻬﺎ، وإنك إن عالجت الشوائع بقوتك وصلابتك وشجاعتك بتفويض الأمر إلى الله والتوكل عليه، لوجدت سعادتك، ولوجدت الأمر خلافا للواقع.
هذا رسول الله وأصحابه قد واجهوا هذه الأراجيف والشوائع، والأكاذيب والزوابع، فكانوا جبالا من لحم ودم، وجيوشا لا تنهزم، حتى شيع أن رسول الله قُتل، والمشركين مقبلون بجيش لا ينحصر، هنا تأتي شجاعة الرسول وأصحابه في مواجهة مثل هذه الأكاذيب فرفعوا أيديهم، وأطلقوا ألسنتهم وهي تلهث بتفويض الأمر إلى علام الغيوب، ومفرّج الكروب، وقالوا: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}() لم يكن هناك أي شيء مما شاع وذاع..
شجاعة وقوة لا يخافون مما يسمعونه من إذاعات الترويج المُشاع، لعلمهم أن القدر بيد الله، والقضاء لا يرده أحد، والمردود لا يقضيه أحد، فهم في عيش هني، ما دامت قلوبهم بربها متصلة، وعليه متوكله، وبقضاءه راضية، أما الجبناء، أصحاب القلوب الضعيفة، والأنفس العنكبوتية، والعزائم الباردة، ﻛﻢ ﺗﻬﺰﻫﻢ اﻷﻳﺎﻡ ﻫﺰا، وتقتلهم الأوهام قتلا{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ}().
لا يتشجعون فيعيشون الحياة طيبة رضية، ولا يموتون فيستريحون من همومهم الردية{لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها}().