إني رأيت أكثر الناس يبحث بعينيه وأذنيه عن الهموم والغموم لنفسه، ويبحث عن المرض لنفسه وذلك إنك تراه باحثا في مساوئ الناس، وتتبع عثراتهم، واصطياد زلاتهم، واغتناص أخطاءهم، فلا يجد من ذلك إلا مرض الهمّ والغمّ، لأنه مشغول بشيء لا يفيده بل يضره ضررا كبيرا في الدنيا والآخرة, ولا يجد الراحة ولا يجد السلامة من الأحزان إلا إذا ترك هذا العمل واتجه لبحث المعائب والمساوئ في نفسه وقام بإصلاحها عاش عيشة السعداء..
ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺣﺎﺗﻢ: اﻟﻮاﺟﺐ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﺎﻗﻞ ﻟﺰﻭﻡ اﻟﺴﻼﻣﺔ ﺑﺘﺮﻙ اﻟﺘﺠﺴﺲ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻊ اﻻﺷﺘﻐﺎﻝ ﺑﺈﺻﻼﺡ ﻋﻴﻮﺏ ﻧﻔﺴﻪ، ﻓﺈﻥ ﻣﻦ اﺷﺘﻐﻞ ﺑﻌﻴﻮﺑﻪ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﺏ ﻏﻴﺮﻩ ﺃﺭاﺡ ﺑﺪﻧﻪ، ﻭﻟﻢ ﻳﺘﻌﺐ ﻗﻠﺒﻪ، ﻓﻜﻠﻤﺎ اﻃﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻋﻴﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ ﻫﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺮﻯ ﻣﺜﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻪ، ﻭﺇﻥ ﻣﻦ اﺷﺘﻐﻞ ﺑﻌﻴﻮﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﺏ ﻧﻔﺴﻪ ﻋﻤﻰ ﻗﻠﺒﻪ، ﻭﺗﻌﺐ ﺑﺪﻧﻪ، ﻭﺗﻌﺬﺭ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﺮﻙ ﻋﻴﻮﺏ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﺇﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﺠﺰ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻋﺎﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻬﻢ، ﻭﺃﻋﺠﺰ ﻣﻨﻪ ﻣﻦ ﻋﺎﺑﻬﻢ ﺑﻤﺎ ﻓﻴﻪ، وﻣﻦ ﻋﺎﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﺎﺑﻮﻩ.
ﺇﺫا ﺃﻧﺖ ﻋﺒﺖ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﺎﺑﻮا ﻭﺃﻛﺜﺮﻭا عليك... ﻭﺃﺑﺪﻭا ﻣﻨﻚ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﺮ..
........................................
ﺇﺫا ﻣﺎ ﺫﻛﺮﺕ اﻟﻨﺎﺱ ﻓﺎﺗﺮﻙ ﻋﻴﻮﺑﻬﻢ ... ﻓﻼ ﻋﻴﺐ ﺇﻻ ﺩﻭﻥ ﻣﺎ ﻣﻨﻚ ﻳﺬﻛﺮ
ﻓﺈﻥ ﻋﺒﺖ ﻗﻮﻣﺎ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﻢ ... ﻓﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﺃﻛﺒﺮ
ﻭﺇﻥ ﻋﺒﺖ ﻗﻮﻣﺎ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﻓﻴﻚ ﻣﺜﻠﻪ ... ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻌﻴﺐ اﻟﻌﻮﺭ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺃﻋﻮﺭ
ﻭﻛﻴﻒ ﻳﻌﻴﺐ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻋﻴﺐ ﻧﻔﺴﻪ ... ﺃﺷﺪ ﺇﺫا ﻋﺪ اﻟﻌﻴﻮﺏ ﻭﺃﻧﻜﺮ
ﻣﺘﻰ ﺗﻠﺘﻤﺲ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻋﻴﺒﺎ ﺗﺠﺪ ﻟﻬﻢ ... ﻋﻴﻮﺑﺎ ﻭﻟﻜﻦ اﻟﺬﻱ ﻓﻴﻚ ﺃﻛﺜﺮ
فسالمهم بالكف عنهم فإنهم ... بعيبك من عينيك أهدى وأبصر()..
....................................
ﻋﻠﻴﻚ ﻧﻔﺴﻚ ﻓﺘﺶ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻳﺒﻬﺎ ... ﻭﺧﻠﻲ ﻣﻦ ﻋﺜﺮاﺕ اﻟﻨﺎﺱ ﻟﻠﻨﺎﺱ..
ﻓﻜﻦ ﺃﺧﻲ ﻣﻊ اﻟﻨﺎﺱ ﻛﺎﻟﻨﺤﻞ ﻳﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺴﻦ اﻟﺰﻫﻮﺭ ﻭاﻟﺮﻳﺎﺣﻴﻦ ﻓﻴﺠﺘﻨﻲ ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻳﻔﻴﺪﻩ، ﻭﻳﺨﺪﻡ ﺑﻪ ﻏﻴﺮﻩ، فتراه مرحا مسرورا من زهرة إلى أخرى باحثا عن الرحيق الجميل ليصنع عسلا مصفى ينفع به الناس، فأصبح يُضرب به المثل في صفاءه ونقاءه، ﻭﻻ ﻳﻜﻦ ﻫﻤﻚ ﺗﺘﺒﻊ اﻟﺴﻘﻄﺎﺕ ﻭاﻝﻋﺜﺮاﺕ ﻭاﻟﺘﻐﺎﻓﻞ ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻨﺎﺕ، كالذباب الذي لا يقع إلا على الجروح والحروق ومواضع العلل فيزيدها دما وألما.
ﺻﻮﺏ ﻧﻈﺮﻙ ﻋﻠﻰ ﻋﻨﺼﺮ اﻟﺨﻴﺮ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺱ، وتحدث بأجمل ما سمعت، وأحسن ما رأيت، وأحلى ما تذوقت، وأزين ما لقيت، فهذا هو طبع الأحرار، ودأب الشرفاء الأطهار، ونعت الأصفياء الأبرار، ﻭﺗﻌﺎﻣﻞ ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺎس هذا الخير ﺗﺴﻌﺪ نفسك ﻭﺗﺴﻌﺪ من حولك..
ﻓﺨﻴﺮ ﻟﻚ ﺇﻥ ﺃﺭﺩﺕ السعادة واﻟﻨﺠﺎﺓ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺃﻥ ﺗﺴﻲء اﻟﻈﻦ ﺑﻨﻔﺴﻚ ﻻ ﺑﺎﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ, ﻷﻥ ﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ ﻳﻤﻨﻊ ﻛﻤﺎﻝ اﻟﺘﻔﺘﻴﺶ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﺑﻬﺎ، ﻭﻳﻠﺒﺲ ﻋﻠﻴﻚ ﻣﺜﺎﻟﻬﺎ، ﻓﺘﺮﻯ اﻟﻤﺴﺎﻭﺉ ﻣﺤﺎﺳﻨﺎ ﻭاﻟﻌﻴﻮﺏ ﻛﻤﺎﻻ..
ﻗﺒﻴﺢ ﻣﻦ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﺴﻰ ﻋﻴﻮﺑﻪ... ﻭﻳﺬﻛﺮ ﻋﻴﺒﺎ ﻓﻲ ﺃﺧﻴﻪ ﻗﺪ اﺧﺘﻔﻰ
ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺫا ﻋﻘﻞ ﻟﻤﺎ ﻋﺎﺏ ﻏﻴﺮﻩ... ﻭﻓﻴﻪ ﻋﻴﻮﺏ ﻟﻮ ﺭﺁﻫﺎ ﻗﺪ اﻛﺘﻔﻰ..
ولي أن أذكرك بموقف حصل لي في سن التاسعة عشر وليس لي من ذلك ابتغاء المدح منك وطلب التزكية، معاذ الله أن أكون كذلك ولكن أريد أن أعلمك درسين أساسين هما: إن كنت ذا طبع تصطاد به عورات الناس فاجتنبه, واعتزلهم حتى تدرب نفسك على معرفة مساوئها واجتناب مساوئ الناس، والثاني: إن كنت أن المصيدة من هذا الطبع اللئيم فاصبر واثبت فإنه قد تعرض لهذا البلاء قبلك الكثير والكثير..
وذلك أني كان لي أخاً -ولا أقول صديقا- وكنت أحبه حبا جمّا, وكان رفيقي في المسجد وقرة عيني، وكان أكبر مني سنا وأصغر مني عقلا؛ ولهذا السبب دخل قلبه الحسد والغيرة، وكان يصطاد عثراتي، ويتتبع زلاتي، ولست أخطأ الخطأ الذي استحق أن ينثره عني وينشره عليَّ، ولكنه خطأ يستطيع أن يفتح به ملف النشر والترويج، وكان كلما رآني عبوسا قال: هذا متكبر!، وكلما رأى لبسي زين قال: مرآي، وكلما رآني مع الصغار قال: خبيث، ولا يكتفي بالقول فقط! بل كل من يجده يفتح له شريط سيرتي بالطريقة المعكوسة..
والذي زادني ألما وجرحا، وحزنت طول أيامي أنه جاءني ناصحا وقال لي: ما شاء الله خطبتك –خطبة الجمعة- جميلة وأشكرك عليها، ولكن بعض الناس -مخابيل لا يعرفون تكبيرة الإحرام في الصلاة- غاروا منك ودخلوا المسجد, وعملوا فوضى وإزعاج يريدوك أن تمتنع من الخطابة. فقلت له: وماذا ترى? قال: لهذا السبب جئتك، وهذه فتنة وأريدك أن تجتنب الفتنة وتمتنع من الخطابة، وهذا أفضل لردع الفتنة.. ولا إله إلا الله!! والله إن شَعَرَ جسمي ورأسي اقشعرّ وانتصب، ويبس حلقي، ونشف ريقي، هذا أخي الذي أصلّي أحيانا بعده?، يأمرني بالانتكاس بعد الاستقامة!..
ﺷﺮ اﻟﻮﺭﻯ ﺑﻌﻴﻮﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﺸﺘﻐﻞ ... ﻣﺜﻞ اﻟﺬﺑﺎﺏ ﻳﺮاﻋﻲ ﻣﻮﻃﻦ اﻟﻌﻠﻞ..
هذا ما كان من الحسد والغيرة كيف يعمل بين الأخوين، فاجتنب كل صيد في ماء لا يصلح للاصطياد..
وعليك بالستر مهما رأيت، ومهما عظم ما سمعت، ﻓﺴﺘﺮ اﻟﻌﻴﻮﺏ، ﻭاﻟﺘﺠﺎﻫﻞ ﻭاﻟﺘﻐﺎﻓﻞ ﻋﻨﻬﺎ، ﺷﻴﻤﺔ ﺃﻫﻞ اﻟﺪﻳﻦ, ﻭﻳﻜﻔﻴﻚ ﺗﻨﺒﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﻤﺎﻝ اﻟﺮﺗﺒﺔ ﻓﻲ ﺳﺘﺮ اﻟﻘﺒﻴﺢ، ﻭﺇﻇﻬﺎﺭ اﻟﺠﻤﻴﻞ، ﺃﻥ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻭﺻﻒ ﺑﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎء ﻓﻘﻴﻞ: ﻳﺎ ﻣﻦ ﺃﻇﻬﺮ اﻟﺠﻤﻴﻞ ﻭﺳﺘﺮ اﻟﻘﺒﻴﺢ.
ﻭاﻟﻤﺮﺿﻲ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺗﺨﻠﻖ ﺑﺄﺧﻼﻗﻪ، ﻓﺈﻧﻪ ﺳﺘﺎﺭ اﻟﻌﻴﻮﺏ، ﻭﻏﻔﺎﺭ اﻟﺬﻧﻮﺏ، ﻭﻣﺘﺠﺎﻭﺯ ﻋﻦ اﻟﻌﺒﻴﺪ، ﻓﻜﻴﻒ ﻻ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﺃﻧﺖ ﻋﻤﻦ ﻫﻮ ﻣﺜﻠﻚ ﺃﻭ ﻓﻮﻗﻚ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﻜﻞ ﺣﺎﻝ ﻋﺒﺪﻙ أو ﻣﺨﻠﻮﻗﻚ ﻭﻗﺪ قيل أن ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼﻡ قال ﻟﻠﺤﻮاﺭﻳﻴﻦ: ﻛﻴﻒ ﺗﺼﻨﻌﻮﻥ ﺇﺫا ﺭﺃﻳﺘﻢ ﺃﺧﺎﻛﻢ ﻧﺎﺋﻤﺎ ﻭﻗﺪ ﻛﺸﻒ اﻟﺮﻳﺢ ﺛﻮﺑﻪ ﻋﻨﻪ? ﻗﺎﻟﻮا ﻧﺴﺘﺮﻩ ﻭﻧﻐﻄﻴﻪ. ﻗﺎﻝ: ﺑﻞ ﺗﻜﺸﻔﻮﻥ ﻋﻮﺭﺗﻪ. ﻗﺎﻟﻮا: ﺳﺒﺤﺎﻥ اﻟﻠﻪ! ﻣﻦ ﻳﻔﻌﻞ ﻫﺬا? ﻓﻘﺎﻝ: ﺃﺣﺪﻛﻢ ﻳﺴﻤﻊ ﺑﺎﻟﻜﻠﻤﺔ ﻓﻲ ﺃﺧﻴﻪ ﻓﻴﺰﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻳﺸﻴﻌﻬﺎ ﺑﺄﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ().. ﻭاﻋﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺇﻳﻤﺎﻥ اﻟﻤﺮء ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﺤﺐ ﻷﺧﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﻭﺃﻗﻞ ﺩﺭﺟﺎﺕ اﻷﺧﻮﺓ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻣﻞ ﺃﺧﺎﻩ ﺑﻤﺎ ﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻣﻠﻪ ﺑﻪ ﻭﻻ ﺷﻚ ﺃﻧﻪ ﻳﻨﺘﻈﺮ ﻣﻨﻪ ﺳﺘﺮ اﻟﻌﻮﺭﺓ ﻭاﻟﺴﻜﻮﺕ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎﻭﻱ ﻭاﻟﻌﻴﻮﺏ..
ﺯﻳﻦ ﺃﺧﺎﻙ ﺑﺤﺴﻦ ﻭﺻﻔﻚ ﻓﻀﻠﻪ ... ﻭﺑﺒﺚ ﻣﺎ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ اﻟﺤﺴﻨﺎﺕ
ﻭﺗﺠﺎﻑ ﻋﻦ ﻋﺜﺮاته ﻭاﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ... ﻣﻦ ﺫا اﻟﺬﻱ ﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ اﻝﻋﺜﺮاﺕ?..
ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ يبحث عن السعادة مع إخوانه، ﺣﻴﺚ ﺗﺠﺪﻩ ﻣﺘﺘﺒﻌﺎ ﻟﻋﺜﺮاتهم، ﻣﺘﻨﺎﺳﻴﺎ ﺣﺴﻨﺎﺗﻬﻢ، ﻓﺈﺫا ﺳﻤﻊ ﻗﺒﻴﺤﺎ ﻓﺮﺡ ﺑﻪ ﻭﻧﺸﺮه، ﻭﺇﺫا ﺳﻤﻊ ﺣﺴﻨﺎ ﺳﺎءﻩ ﺫﻟﻚ ﻭﺳﺘﺮﻩ.
ﺇﻥ ﻳﺴﻤﻌﻮا ﺳﻴﺌﺎ ﻃﺎﺭﻭا ﺑﻪ ﻓﺮﺣﺎ ... ﻣﻨﻲ ﻭﻣﺎ ﺳﻤﻌﻮا ﻣﻦ ﺻﺎﻟﺢ ﺩﻓﻨﻮا..
....................................
ﻳﻤﺸﻮﻥ ﻓﻲ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﺒﻐﻮﻥ اﻟﻌﻴﻮﺏ ﻟﻤﻦ ... ﻻ ﻋﻴﺐ ﻓﻴﻪ ﻟﻜﻲ ﻳﺴﺘﺸﺮﻑ اﻟﻌﻄﺐ
ﺇﻥ ﻳﻌﻠﻤﻮا اﻟﺨﻴﺮ ﻳﺨﻔﻮﻩ ﻭﺇﻥ ﻋﻠﻤﻮا ... ﺷﺮا ﺃﺫاﻋﻮا ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻤﻮا ﻛﺬﺑﻮا..
ﻓﻤﻦ ﻫﺬا ﺩﺃﺑﻪ ﻭﺩﻳﺪﻧﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻦ ﺃﺣﻘﺮ اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺃﺳﻔﻠﻬﻢ، وحري بالناس أن يتركوه، وينحازوا من مجالسته خوفا على هيباتهم وأن لا يصطاد زلاتهم, فهو مثل الذباب تماما لا يقع إلا على الجروح.
ﻟﻴﺘﻐﺎﺽ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻋﻦ ﻋﺜﺮاﺕ اﻵﺧﺮ، ﻭﻟﻴﺘﺮﻙ ﺗﺄﻧﻴﺒﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﻟﻴﺼﻔﺢ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻋﻦ اﻵﺧﺮ ﺻﻔﺤﺎ ﺟﻤﻴﻼ، ﺑﻼ ﺗﻘﺮﻳﻊ، ﻭﻻ ﺗﺄﻧﻴﺐ، ﻭﻻ ﻣﻌﺎﺗﺒﺔ، ﻭﻟﻴﺒﺘﻌﺪ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻋﻦ ﺗﺬﻛﻴﺮ اﻵﺧﺮ ﺑﺰﻻﺗﻪ ﺃﻭ ﻣﺎﺿﻴﻪ، ﺟﺎﺩا ﺃﻭ ﻣﺎﺯﺣﺎ، ﻟﺌﻼ ﻳﺠﺮﺣﻪ ﺫﻟﻚ.
ﻟﻴﻌﻤﻞ ﻛﻞ ﻣﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻻ ﻳﺤﺴﺪ اﻵﺧﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﻯ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﻧﻌﻢ اﻟﻠﻪ، ﺑﻞ ﻳﻔﺮﺡ ﺑﺬﻟﻚ، ﻭﻳﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﺮﻯ ﻣﻦ اﻟﻨﻌﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺧﻴﻪ، ﻛﻤﺎ ﻳﺤﻤﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﻧﻌﻤﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ-: ((ﻻ ﻳﺆﻣﻦ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﺤﺐ ﻷﺧﻴﻪ ﻣﺎ ﻳﺤﺐ ﻟﻨﻔﺴﻪ)) ().
ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻜﻤﺎء: ﺗﺮﻙ ﻓﻀﻮﻝ اﻟﻜﻼﻡ ﻳﺜﻤﺮ اﻟﻨﻄﻖ ﺑﺎﻟﺤﻜﻤﺔ، ﻭﺗﺮﻙ ﻓﻀﻮﻝ اﻟﻨﻈﺮ ﻳﺜﻤﺮ اﻟﺨﺸﻮﻉ ﻭاﻟﺨﺸﻴﺔ، ﻭﺗﺮﻙ ﻓﻀﻮﻝ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻳﺜﻤﺮ ﺣﻼﻭﺓ اﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻭﺗﺮﻙ اﻟﻀﺤﻚ ﻳﺜﻤﺮ ﺣﻼﻭﺓ اﻟﻬﻴﺒﺔ، ﻭﺗﺮﻙ اﻟﺮﻏﺒﺔ ﻓﻲ اﻟﺤﺮاﻡ ﻳﺜﻤﺮ اﻟﻤﺤﺒﺔ، ﻭﺗﺮﻙ اﻟﺘﺠﺴﺲ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﺏ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﺜﻤﺮ ﺻﻼﺡ اﻟﻌﻴﻮﺏ، ﻭﺗﺮﻙ اﻟﺘﻮﻫﻢ ﻓﻲ اﻟﻠﻪ ﻳﻨﻔﻲ اﻟﺸﻚ ﻭاﻟﺸﺮﻙ ﻭاﻟﻨﻔﺎﻕ.
ﻭﺃﻧﺸﺪﻭا:
اﻟﺼﻤﺖ ﻧﻔﻊ ﻭاﻟﻜﻼﻡ ﻣﻀﺮﺓ ... ﻓﻠﺮﺏ ﺻﻤﺖ ﻓﻲ اﻟﻜﻼﻡ ﺷﻔﺎء
ﻓﺈﺫا ﺃﺭﺩﺕ ﻣﻦ اﻟﻜﻼﻡ ﺷﻔﺎء ... ﻟﺴﻘﺎﻡ ﻗﻠﺒﻚ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﺩﻭاء..
ﻭاﻋﻠﻢ ﺃﻥ اﻟﺘﺠﺴﺲ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﺏ اﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺗﻄﻠﺐ ﻣﺴﺎﻭﺋﻬﻢ، ﻳﺒﺪﻱ اﻟﻌﻮﺭاﺕ، ﻭﻳﻜﺸﻒ اﻟﻤﺨﺒﺂﺕ.
ﻭﻗﺪ ﻧﻬﻰ اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ- ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}()ﻓﺎﺗﻖ اﻟﻠﻪ ﻭاﺷﺘﻐﻞ ﺑﻌﻴﻮﺑﻚ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﺏ اﻟﻨﺎﺱ، ﻓﻤﻦ ﺑﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﺴﺎﻭﺉ اﻟﻨﺎﺱ ﻭاﺗﺒﻊ ﻋﻮﺭاﺗﻬﻢ، ﻭاﺷﺘﻐﻞ ﺑﻌﻴﺐ ﻏﻴﺮﻩ، ﻭﺗﺮﻙ ﻋﻴﺒﻪ، ﺳﻠﻂ اﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ- ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﻋﻴﺒﻪ ﻭﻣﺴﺎﻭﺋﻪ ﻟﻴﺸﻬﺮﻫﺎ، ﻭﻳﺘﺒﻊ ﻋﻮﺭﺗﻪ ﻭﻳﺒﺪﻳﻬﺎ ﻭﻳﻨﺸﺮﻫﺎ.
ﻓﺎﻟﻌﺎﻗﻞ اﻟﺴﻌﻴﺪ ﻣﻦ ﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﻋﻴﺒﻪ، ﻭﺷﻐﻞ ﺑﺬﻟﻚ ﻋﻦ ﻋﻴﻮﺏ ﻏﻴﺮﻩ، ﻭﻋﻦ ﻛﻞ ﺷﻲء ﺳﻮﻯ اﻟﻠﻪ -تعالى-()..