إن من علامة تعاستك في الحياة هو تفكيرك بأمر غيبي لربما يقع أو لن يقع.
إن إفراغ القلب للتفكير بشأن المستقبل يعني تجلط الدم قبل وصوله للقلب.
إني آمرك تفضلا أن تجعل حياتك بين اثني عشر ساعة, يعني في حدود يومك, فإن أمسيت فلا تنظر الصباح، وإن أصبحت فلا تنتظر المساء، لأن الماضي صفحة قد أغلقت وصارت في جملة الأموات، والمستقبل صفحة لم تُفتح بعد وهي من جملة المواليد في بطون الأمهات, فلا يبقى لديك إلا الحاضر الذي تعيشه وهو يومك في عالم الأحياء.
ﺇﻥ ﺇﻋﻄﺎء اﻟﺬﻫﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ ﺃﻭﺳﻊ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ اﻝﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻭﻓﺘﺢ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻐﻴﺐ ﺛﻢ الاﻛﺘﻮاء ﺑﺎﻟﻤﺰﻋﺠﺎﺕ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ ﻣﻤﻘﻮﺕ ﺷﺮﻋﺎ؛ ﻷﻧﻪ ﻃﻮﻝ ﺃﻣﻞ، ﻭﻫﻮ ﻣﺬﻣﻮﻡ ﻋﻘﻼ؛ ﻷﻧﻪ ﻣﺼﺎﺭﻋﺔ ﻟﻠﻈﻞ, ﺇﻥ ﻛﺜﻴﺮا ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻌﺎﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻊ ﻓﻲ مستقبله اﻟﺠﻮﻉ واﻟﻌﺮﻱ ﻭاﻟﻤﺮﺽ ﻭاﻟﻔﻘﺮ ﻭاﻟﻤﺼﺎﺋﺐ، ﻭﻫﺬا ﻛﻠﻪ ﻣﻦ ﻣﻘﺮﺭاﺕ ﻣﺪاﺭﺱ اﻟﺸﻴﻄﺎﻥ{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلا}()ﻳﻘﻮﻝ اﻟﻤﺜﻞ اﻟﺼﻴﻨﻲ: ﻻ ﺗﻌﺒﺮ ﺟﺴﺮا ﺣﺘﻰ ﺗﺄﺗﻴﻪ.
ﻭﻣﻌﻨﻰ ﺫﻟﻚ: ﻻ ﺗﺴﺘﻌﺠﻞ اﻟﺤﻮاﺩﺙ ﻭﻫﻤﻮﻣﻬﺎ ﻭﻏﻤﻮﻣﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﻌﻴﺸﻬﺎ ﻭﺗﺪﺭﻛﻬﺎ.
ﻭفي الحديث: ((ﺇﺫا ﺃﻣﺴﻴﺖ ﻓﻼ ﺗﻨﺘﻈﺮ اﻟﺼﺒﺎﺡ وﺇﺫا ﺃﺻﺒﺤﺖ ﻓﻼ ﺗﻨﺘﻈﺮ اﻟﻤﺴﺎء)) () ﺃﻱ: ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺼﻴﺮ اﻷﻣﻞ، ﺗﻨﺘﻈﺮ اﻷﺟﻞ، ﻭﺗﺤﺴﻦ اﻟﻌﻤﻞ، ﻓﻼ ﺗﻄﻤﺢ ﺑﻬﻤﻮﻣﻚ ﻟﻐﻴﺮ ﻫﺬا اﻟﻴﻮﻡ اﻟﺬﻱ ﺗﻌﻴﺶ ﻓﻴﻪ، ﻓﺘﺮﻛﺰ ﺟﻬﻮﺩﻙ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺗﺮﺗﺐ ﺃﻋﻤﺎﻟﻚ، ﻭﺗﺼﺐ اﻫﺘﻤﺎﻣﻚ ﻓﻴﻪ، ﻣﺤﺴﻨﺎ ﺧﻠﻘﻚ, ﻣﻬﺘﻤﺎ ﺑﺼﺤﺘﻚ، ﻣﺼﻠﺤﺎ ﺃﺧﻼﻗﻚ ﻣﻊ الله ومع الناس.
ﻓﺄﺣﻴﺎﻧﺎ ﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻓﺘﺠﺪﻩ ﻣﺆﻟﻤﺎ، ﻭﺗﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻓﺘﺠﺪﻩ ﻣﻈﻠﻤﺎ، ﻭﻟﻜﻦ اﻧﻈﺮ ﻓﻲ ﺩاﺧﻠﻚ ﻭﺗﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺑﺤﺐ ﺗﺎﻡ، حينها سيطمئن قلبك، ويُزال عنك خوف الأشباح المخيفة، ﺛﻢ اﻧﻈﺮ ﻣﻦ ﺃﺧﺮﻯ ﺳﺘﺠﺪ اﻟﻤﺎﺿﻲ ﻣﻔﺮﺣﺎ ﻭاﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺸﺮﻗﺎ، ﻭﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﻄﺮﻳﻖ ﺇﻟﻰ السعادة.
قال ﻣﻌﻦ ﺑﻦ ﻋﻮﻥ: ﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻳﻮﻣﺎ ﻻ ﻳﺴﺘﻜﻤﻠﻪ، ﻭﻣﻨﺘﻈﺮ ﻏﺪا ﻻ ﻳﺪﺭﻛﻪ، ﻟﻮ ﺗﻨﻈﺮﻭﻥ ﺇﻟﻰ اﻷﺟﻞ ﻭﻣﺴﻴﺮﻩ ﻷﺑﻐﻀﺘﻢ اﻷﻣﻞ وغروره.
وﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺣﺎﺗﻢ: اﻟﺴﺒﺐ اﻟﻤﺆﺩﻱ ﻟﻠﻌﺎﻗﻞ ﺇﻟﻰ ﺇﻧﺰاﻟﻪ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻨﺰﻟﺘﻬﺎ: ﺗﺮﻙ اﻟﺮﻛﻮﻥ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻣﻊ ﺗﻘﺪﻳﻢ ﻣﺎ ﻗﺪﺭ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻠﻌﻴﺶ اﻟﺪاﺋﻢ، ﻭاﻟﻨﻌﻴﻢ اﻟﻤﻘﻴﻢ، ﻫﻮ: ﺗﺮﻙ ﻃﻮﻝ اﻷﻣﻞ، ﻭﺭقابة ﻭﺭﻭﺩ اﻟﻤﻮﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻟﺤﻈﺔ ﻭﻃﺮﻓﺔ، ﻷﻥ ﻃﻮﻝ اﻵﻣﺎﻝ ﻗﻄﻌﺖ ﺃﻋﻨﺎﻕ اﻟﺮﺟﺎﻝ ﻛﺎﻟﺴﺮاﺏ ﺃﺧﻠﻒ ﻣﻦ ﺭﺟﺎﻩ، ﻭﺧﺎﺏ ﻣﻦ ﺭﺁﻩ، ﻓﺎﻟﻌﺎﻗﻞ ﻳﻠﺰﻡ ﺗﺮﻛﻬﺎ ﻣﻊ اﻻﻋﺘﺒﺎﺭ اﻟﺪاﺋﻢ ﺑﻤﻦ ﻣﻀﻰ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ اﻟﺴﺎﻟﻔﺔ ﻭاﻟﻘﺮﻭﻥ الماضية().
إن كثيرا ممن أصيبوا بقرحة المعدة، وانفجار القولون العصبي, وأصحاب الحالات النفسية هم: أصحاب الخوف والقلق والهمّ للمستقبل الغيبي ولذلك فهم يخوضون حربا وهمية وخيالية هدفها القضاء على سعادتهم وأمنهم وراحة قلوبهم{يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}().