الصلاة مفتاح الخير والسرور, وجلب المنافع, ودفع الشرور, فهي راحة من كل تعب, وسعادة من كل حزن, وانشراح من كل ضيق, سعادة القلوب, وبياض الوجوه, ونور الحياة, واستقرار العيش, وهدوء النفس, وغذاء الروح.
فإذا داهمتك عواصف الأحزان, وهبت عليك رياح الأكدار, فتذكر أرحنا بها يا بلال!.
وإذا ماج بك الطفش أمواج البحار, فمال عليك ميل الرمال, فتذكر أرحنا بها يا بلال!.
وإذا غارت عليك طائرات الهموم, فزلزلت قلبك زلازال, فتذكر أرحنا بها يا بلال!.
وإذا أظلمت عليك أرض الوحشة, وغابت عليك نجوم الفراق, فتذكر أرحنا بها يا بلال!.
وإذا تحركت بك الأرض من الأحزان فإن الصلاة هي استقرار تلك الأرض((وجُعِلتْ قرَّة عيني فِى الصلاة ))() فقرة العين التي يطمئن القلب بالوصول إليها ومحض لذته وفرحه وسروره وبهجته إنما هو: في الصلاة التي هي صلة بالله وحضور بين يديه, ومناجاة له, واقتراب منه، فكيف لا تكون قرة العين، وكيف تقر عين المحب بسواها!؟. فإذا حصل للنفس هذا الحظ الجليل فأي فقر يخشى معه، وأي غنى فاتها حتى تلتفت إليه؟ ولا يحصل لها هذا حتى ينقلب طبعها ويصير مجانسا لطبيعة القلب، فتصير بذلك مطمئنة بعد أن كانت لوامة، وإنما تصير مطمئنة بعد تبادل صفاتها وانقلاب طبعها، لاستغناء القلب بما وصل إليه من نور الحق -جل جلاله-، فجرى أثر ذلك النور في سمعه وبصره وشعره وبشره وعظمه ولحمه ودمه وسائر مفاصله، وأحاط بجهاته من فوقه وتحته ويمينه ويساره وخلفه وأمامه، وصارت ذاته نورا وصار عمله نورا، وقوله نورا، ومدخله نورا ومخرجه نورا وكان في مبعثه ممن انبهر له نوره فقطع به الجسر().
الصلاة بأركانها وشروطها مطلوبة منك -يا أخي- حتى تنال اللذة والسعادة والسرور, فالصلاة هي حياة أبدية مملؤة بالسعادة والسرور والأُنس فإذا دخلت هذه الحياة فإنك حتما لا تريد الخروج منها, كالسمكة في الماء ما إن تخرج من الماء تموت؛ لأن حياتها الأبدية في الماء, وهذا هو حال المؤمن يجد لذته وأُنسه وسعادته وحياته في الصلاة ما إن يخرج منها إذ بنفسه تشتاق للرجوع إليها. بخلاف المنافق فإنه كالطائر في القفص ما إن يُفتح له الباب حتى يُغادر بالخروج والهروب منه.
الصلاة شأنها في تفريغ القلب وتقويته، وشرحه، وابتهاجه ولذته، أكبر شأن، وفيها اتصال القلب والروح بالله، وقربه والتنعم بذكره، والابتهاج بمناجاته، والوقوف بين يديه، واستعمال جميع البدن وقواه وآلاته في عبوديته، وإعطاء كل عضو حظه منها، واشتغاله عن التعلق بالخلق وملابستهم ومحاورتهم، وانجذاب قوى قلبه وجوارحه إلى ربه وفاطره، وراحته من عدوه حالة الصلاة ما صارت به من أكبر الأدوية والمفرحات والأغذية التي لا تلائم إلا القلوب الصحيحة. وأما القلوب العليلة فهي كالأبدان، لا تناسبها إلا الأغذية الفاضلة.
فالصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة، وهي منهاة عن الإثم، ودافعة لأدواء القلوب، ومطردة للداء عن الجسد، ومنورة للقلب، ومبيضة للوجه، ومنشطة للجوارح والنفس، وجالبة للرزق، ودافعة للظلم، وناصرة للمظلوم، وقامعة لأخلاط الشهوات، وحافظة للنعمة، ودافعة للنقمة، ومنزلة للرحمة، وكاشفة للغمة().
إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرف على المسجد، وأن يمرغ جبينه ليرضي ربه أولا، ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب، وإلا فإن الدمع سوف يحرق جفنه، والحزن سوف يحطم أعصابه، وليس لديه طاقة تمده بالسكينة والأمن إلا الصلاة.
من أعظم النعم -لو كنا نعقل- هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا، رفعة لدرجاتنا عند ربنا، ثم هي علاج عظيم لمآسينا، ودواء ناجع لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين، وتملأ جوانحنا بالرضا أما أولئك الذين جانبوا المسجد، وتركوا الصلاة، فمن نكد إلى نكد، ومن حزن إلى حزن، ومن شقاء إلى شقاء(){فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}().
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((وجعلت قرت عيني في الصلاة)) ما كان يرتاح إلا إذا قام يصلي، إذا قال: الله أكبر؛ كبرَّ بصوت تكاد تنخلع لصوته القلوب، فيضع يديه على صدره فيقول: الله أعظم من كل شيء؛ لأنه الكبير -سبحانه وتعالى-، يقف متواضعاً، متبتلاً، متخشعاً، عبداً متذللاً أمام الله.
يأتيه الحزن، والهم، والغم، فيقول: أرحنا بها يا بلال أي: بالصلاة.
تأتيه المصائب، والكوارث، فيقول: أرحنا بها يا بلال.
تأتيه الفواجع، والطوارق، والزلازل، فيقول: أرحنا بها يا بلال.
يموت أبناؤه، وأحبابه وأصحابه، ويقتل جنوده، ويهزم جيشه فيقول: أرحنا بها يا بلال.
وكل من جاء بعده -عليه الصلاة والسلام-, كانوا إذا ضاقت بهم الضوائق, وتعسرت عليهم الأمور, وذاقوا مرارة الظلم, حينها يلجئون إلى الصلاة, فتسكن نفوسهم, وتطمئن قلوبهم, وكيف لا تصلح أحوالهم وهم في ذكر من الله لهم أكبر من ذكرهم له في الصلاة{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}()لأن الله –تعالى- إن ذكرته أديت حق العبودية, لكن إن ذكرك الله منحك الرضا والسكينة, والراحة والطمأنينة, ومنحك نعمة لربما عزت على معظم الناس إنها: نعمة الأمن.