الذهب يبقى ذهب, والفضة فضة, والنحاس نحاسا, والحديد حديدا. كن كما خلقك الله صاحب خلق رفيع!, وكلٌّ ينفق من أصله..
كن رافع الرأس, شامخ الهامة, قوي الهمة, ولا تحزن مما قيل فيك, ولا تفكر فيما يُقال فيك, ولا تغضب إن سبوا أُمّك, وتكلموا في عرضك, وطعنوا في نسبك, فأنت واثق الخطوات, فكن كالذهب لا يتغير, فأنت خلقت وحيدا, وستموت وحيدا, وسًتُقبر وحيدا, وسَتبُعث وحيدا, وسَتُحاسب وحيدا, فما شأُنك والناس؟!
فمن سعادتك أن تغلب صفات الخيرُ فيك صفات الذم، فيساق إليك الثناء حتى على شيء ليس فيك، ولم يقبل الناس فيك ذما ولو كان صحيحا، لأن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث. والجبل لا يزيد فيه حجر ولا ينقصه حجر.
فكم رأيت أناس في الواقع المشاهد فضلا عن الزمن الماضي, قيل فيهم ما قيل, وشيعَ عنهم ما شيع, إلا أنهم يمشون بخطوات موثوقة, رافعي رؤوسهم لا يضرهم ما قيل فيهم, والآن أين هم؟!! في القمة, ضاع الكلام الذي كان ملصق فيهم, وضاعت تلك الألقاب التي تصرف إليهم, إذاً: أين ذلك القيل والقال؟!! ضاع؛ لأنه سقط في بحر المحاسن فغرق، فهم ذهبا وسيبقوا ذهبا.
وكما يقال في واقعنا: إذا القافلة تمشي ما ضرها نباح الكلاب.
وقيل: واثق الخطوة يمشي ملكا.
وكم أناس رأيتهم في الواقع المشاهد, قيل في شرفهم ما قيل, ومدحوا من قبل الناس إلا أن هذا المدح لم يكن على حقيقته ولم يصدقه أصحاب العقول السليمة, فانتكسوا على رؤوسهم وظهر أمر الله وهم كارهون, إذاً: أين ذلك المدح؟!! ضاع؛ لأنه سقط في بحر المساوئ فغرق, فهم حديدا فيه صدى وسيبقوا حديدا.
إذاً: عرفت مقصودي من هذا الكلام!! هو أنك بقيمتك ترتفع وتعلو وتسعد وتمرح ولا دخل للناس في حياتك فهم لا يضروك بما قالوا عليك, ولا ينفعوك بما قالوا لك. فأنت ذهب وستبقى ذهب فاحرص على هذه الحلية الثمينة, والمعدن الغالي, وتلبّس به وانظر إلى فوق, إلى ربك, وعامل ربك, وانتظر الأجر منه, وعامل الناس ليس لوجوههم الجميلة أو القبيحة ولكن{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}().