{لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}(). {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا}().
سبحان الله! والله أكبر! ما أجمل هذه الكلمات! إنها تفتح دروب السعادة درباً درباً, وتفُكُّ أبواب الحياة فكّا, وتشُقُّ طريق الخير شقّا, وتدفع بك إلى السرور دفعا, وتمنحك جواز السفر في الحياة السعيدة, وتعطيك جناح التحليق في جو الأمان, وتبحر بك في بحر السكينة والاطمئنان, وتلبسك ملابس الوقار, وتسكنك في قصر الهدوء, وتعطيك جنسية العيش في دولة الحياة{ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}() بكفالة الربّ -جلّ جلاله-{فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ(30) نَحْنُ أَوْلِيَاكمْ}().
فسبحان الله! يا لها من نعمة ونحن عنها غافلون, ويا لها من منحة ونحن عنها حائرون.
إذا كان الله قد وعدك بالسعادة, العيش في حياة طيّبة وهنيّة, وضمن لك الكفالة في هذه المعيشة, وتكفل لك بالرزق, فلماذا الحزن؟! ولماذا الكدر؟! ولماذا الجزع؟! ولماذا اليأس والقنوط؟!.
فلا تحزن ! إن داهمتك رياح الهموم, وتششقت بك أرض الوحشة, وعصفت بك عاصفة الشدة, وألمّت بك ساعات الكدر, وتزلزلت بك براكين التعاسة, وضاق عليك هواء السأم, وأُغلقت عليك أبواب الرزق, وأخذتك سحابة العسر, وأظلمت عليك ظلمة الكآبة, وغابت عنك شمس المسرّة, وتحوّلت ضحكتك إلى أنين, وبسمتك إلى عبوس, وحركتك إلى جمود, وصحتك إلى مرض, فأشرقت عليك شمس الأحزان, فلا تجعل الحزن يسيطر عليك, ولا السأم يريبك, ولا الغضب يغضبك, ولا تكدر ولا تجزع ولا تأن. الله ينهيك عن الحزن: {أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا}(){وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا}.
فلا تحزن! إن جاءك يوم وقالوا لك: راتبك مقطوع, وإذا بصاحب البقالة يقول هات الذي عندك, وإذا بامرأتك تقول كمل الدقيق والسكر, والبنت تقول أريد ملابس ودفاتر المدرسة, وكان الجوُّ ممطرا فرعدت السماء وأبرقت في بيتك فمات ابنك أثر الرعد, واحترقت شاشة التلفاز, فإياك أن تحزن! وإياك أن تبكي! فالحزن على الماضي لا يفيد, والبكاء على الماضي لا ينفع, فحزنك وبكاءك لا يردان لك التلفاز كما كان, ولا يردان لك ابنك, ولا يجلبان لك السكر والدقيق وملابس الدراسة وراتبك, ولا يعطيان صاحب البقالة حقه.
لا تحزن! على كل ما وقع وحصل, واصبر واحتسب وتفاءل, وللماضي والسابق تجاهل, فالأحمق يقلب أوراق الكتاب إلى اليسار.
لا تحزن! حتى وإن كانت الدنيا بحرا من الهموم, لكن اركبها بقارب صغير من الصبرِ.
لا تحزن: لأن القضاء مفروغ منه، والمقدور واقع، والأقلام جفت، والصحف طويت، وكل أمر مستقر، فحزنك لا يقدم في الواقع شيئا ولا يؤخر، ولا يزيد ولا ينقص.
فهل تريد أن ترد ماء النهر إلى منبعه؟! وترد قطرات المطر إلى السماء؟! وترد خطوات المشي إلى الوراء, وترد الطائرة إلى الخلف, وترجع الشمس إلى مشرقها, وترد الساعة عكس عقاربها.
لا تحزن! فالحزن يفسد سعادتك, ويهلك بذور ما زرعت من الفرح, ويشتت عليك أوراق التفاءل, وينسف غبار الصحراء على طعامك, فاحذره! فهو يصور لك الماء العذب علقما, يصور لك العسل سُمّا, يصور لك الورود شوكا, ويصور لك النور نارا, ويريك البيت سجنا.
فلا تحزن! إن الدنيا بين يديك وأنت لا تشعر, والحياة الرضيّة أنت فيها دون أن تدري, يقول نبيك -عليه الصلاة والسلام-: ((من بات آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) ().
فإذا حصل الإنسان على غذاء، وعلى مأوى, وكان آمنا بين أولاده, وعند زوجته, وفي بيته, فقد حصل على أحسن السعادات، وأفضل الخيرات، وهذا يحصل عليه كثير من الناس، لكنهم لا يذكرونه، ولا ينظرون إليه ولا يلمسونه.
فلا تحزن ! إذا كان هذا حالك -كما ذكرنا- فغيرك يتمنّى لغمة العيش, وغيرك يربط حجرا على بطنه من الجوع, وغيرك يسأل الناس أن يعطوه طعاما وشرابا وزادا, وغيرك يبيت في المساجد, وغيرك يبيت في الشوارع, وغيرك يبيت في الطرق والممرات, وغيرك لا يستطيع الحركة؛ لأنه معاق, وغيرك لا يستطيع أن يذهب المسجد؛ لأنه مكسور, وغيرك مات كل أولاده أثر الحروب التي مرّت, وغيرك يتيم مات أبواه, وغيرك أرملة مات زوجها, ومات ابنها, وغيرك كثير وكثير...فاحمد الله واشكره على العافية ولا تنظر بعين الحزن والتعاسة, بل تفاءل, وتلمس الخير من ربك ومولاك.
فلا تحزن: لأن المحزون كالنهر الأحمق ينحدر من البحر ويصب في البحر، وكالنافخ في قربة مثقوبة، والكاتب بإصبعه على الماء, وبالتالي حزنك يأكل من لحمك ويشرب من دمك..
فلا تحزن: فإن عمرك الحقيقي سعادتك وراحة بالك، فلا تنفق أيامك في الحزن، وتبذر لياليك في الهم، وتوزع ساعاتك على الغموم ولا تسرف في إضاعة حياتك، فإن الله لا يحب المسرفين.
فعليك بجلب السرور واستدعاء الانشراح، وسؤال الله الحياة الطيبة والعيشة الرضية، وصفاء الخاطر، ورحابة البال..
والله المسؤول وحده أن يشرح صدورنا بنور اليقين، ويهدي قلوبنا لصراطه المستقيم، ويسعدنا بنور الإيمان, ويمتعنا بتلذذ حلاوة القرآن, وطعم المناجاة والناس نيام, وأن ينقذنا من حياة الضنك والضيق والأحزان, إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.