تعلمت من النملة –في ظل العقيدة- درس الإخلاص في كل عمل أقوم به حتى في نيل السعادة يجب أن أكون مخلصا, وصادقا مع الله في جميع أحوالي.
فما أجمل الحديث عن القيم! وما أعظم الكلام عن المثل! وأروع من ذلك أن ترى المثل رجالا، والأخلاق فعالا.
يا قاصد بحر السعادة العميق: حلق، ثم خض لجة اليم بقلب مخلص كالجبل لا يتزحزح أبدا، وعليك بالمجاهدة في الإخلاص فيثمر لك ثمر الحياة الطيبة فتكون من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
يقول مالك بن دينار: إن الصدق يبدو في القلب ضعيفا كما يبدو نبات النخلة، يبدو غصنا واحدا، فتسقى فينتشر، ثم تسقى فينتشر، حتى يكون لها أصل أصيل عظيم يوطأ، وظل يستظل به، وثمرة يؤكل منها.
كذلك الصدق مع الله، يبدو في القلب ضعيفا، فيتفقده صاحبه ويزيده الله، ويتفقده ويزيده الله، حتى يجعله الله بركة على نفسه، فيكون كلامه دواء للخاطئين()، ليحيي الله به الفئام من الناس وصاحبه لا يعلم بذلك.
فيا طالب السعادة! ويا قاصد بحرها! انصب وجهك لله، واملأ قلبك بحب الله وخشية الله، اجعل همك مرضاة الله لا مرضاة عباد الله؛ فإنك قد تضطر إلى إغضاب عباد الله في سبيل مرضاة الله، ولا ضير.
إن تفعل ذلك، يكفيك الله مئونة الخلق، ويحببك إليهم، فإذا أحب الله عبدا نادى ملائكته أني أحب فلان فأحبوه فتحبه الملائكه ويجعل له الحب والقبول في قلوب البشر.
اقصد البحر وحَلِّق، ثم خُض، وكن صحيحاً سليماً في سرك، تكن فصيحاً في علانيتك، فإنما صلاح العمل بصلاح القلب، وصلاح القلب بصلاح النية، ومن صَفَّى صُفِّي له، ومن خلَّط خُلِّط عليه، وإنما يُكال للعبد كما كال، ومن صحت بدايته صحت نهايته، وقد يبلغ الرجل بنيته ما لم يبلغ بعمله.
فزن عملك بميزان مرضاة الله، فما رجحت به كفة الميزان فاقبله وارتضه، وما شالت به الكفة فأعرض عنه واجفه.
عند ذلك تستقيم المقاييس، ويتضح أمام العين الطريق القصد، والسبيل القويم؛ في خوض لجج البحر، فلن تقع بعد ذلك في ما يشغل فكرك، ويعكر مزاجك، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
اخلص توحيدك لربك لينشرح صدرك، فبقدر صفاء توحيدك، ونقاء إخلاصك؛ تكون سعادتك.
الإخلاص وحده يقود إلى شفافية القلب, وصفاء الوجدان, لأن المؤمن لا يفكر بعده الا في عظمة ربه ولا يتوجه الا إلى خالقه, فلا يضيره متاعب المثبطين, ولا نداء المرجفين, ولا يقعده فتور الهابطين.
يقول ابن القيم -طيب الله ثراه-: فالإخلاص سبيل الخلاص, والاسلام هو مركب السلامة, والايمان شاطىء الامان().
قال مكحول: ما أخلص عبد قط أربعين يوما إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه().
السعيد من كانت أعماله، وعطاؤه ومنعه، وحبه وبغضه، ومعاملته؛ لوجه الله، لا يريد بذلك جزاء من الناس ولا شكورا، ولا ابتغاء جاه عندهم، ولا طلب محمدة ومنزلة في قلوبهم، ولا هربا من ذمهم، قد عد الناس بمنزلة أهل القبور، لا يملكون ضرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، عرف الناس فأنزلهم منازلهم، وعرف الله فأخلص له، وأصلح ما بينه وبينه، فأصبح محبوبا عند الله بحسن مقصده قد وضع له علامة القبول في القلوب، يحمل شعار الإخلاص: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}().
أن يبذل معروفه لهم لوجه الله لا لأجل غرض مع ستر عوراتهم، وإقالة عثراتهم، وإجابة دعواتهم, وأن لا يقف مواقف التهم, وأن يحلم عن من جهل عليه، ويعفو عن من ظلمه.