ما أجمل فضل الله في الآخرة لعباده المؤمنين.
عباد الله المؤمنين -وبإذن الله أنت منهم-، لهم من الفضل والثواب في الآخرة ما لا تصدقه نفسك لأنهم عاشوا في الدنيا خائفين من الله ولم يخافوا غيره، حزنوا في الدنيا لأنهم قصروا في حق الله ولم يحزنوا على الدنيا وزخارفها، ولذلك فهم في الآخرة في أمن وأمان، وسكينة واطمئنان، وراحة وهدوء الحال، وفي نعيم أبدي، لا يبدي ولا ينتهي.
أيُّ فضل يلاقيه العبد بين يدي الرحيم الرحمن?.
إني أريدك بعد أن تقرأ، تستلقي على الفراش قليلا ثم تغمض عينيك وتتصور هذا الموقف, حين تأتي وتقف بين يدي الله –سبحانه وتعالى-, والخلائق تنظر إليك, فترى سجلّات عملك طيبة, وفيها بعض التقصير الذي لا يسلم من ذلك كل البشرية, فترى ذلك بعينيك فيقول لك الرحيم: ﻳﺎ ﻋﺒﺪﻱ ﺃﻧﺎ ﺳﺘﺮﺗﻬﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻏﻔﺮﻫﺎ ﻟﻚ اﻟﻴﻮﻡ، ﻓﻘﺪ ﻏﻔﺮﺕ ﻟﻚ ﻛﺒﻴﺮ ﺟﺮﻣﻚ، ﻭﻛﺜﻴﺮ ﺳﻴﺌﺎﺗﻚ، ﻭﺗﻘﺒﻠﺖُ ﻣﻨﻚ ﻳﺴﻴﺮ ﺇﺣﺴﺎﻧﻚ، ﻓﻴﺴﺘﻄﻴﺮ ﺑﺎﻟﺴﺮﻭﺭ ﻭاﻟﻔﺮﺡ ﻗﻠﺒﻚ, ويشرﻕ ﻟﺬﻟﻚ ﻭﺟﻬﻚ.
ﻓﺘﻮﻫﻢ ﻧﻔﺴﻚ ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻟﻬﺎ ﻟﻚ، ﻓﺎﺑﺘﺪﺃ ﺇﺷﺮاﻕ اﻟﺴﺮﻭﺭ ﻭﻧﻮﺭﻩ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻚ ﺑﻌﺪ ﻛﺂﺑﺘﻪ ﻭﺗﻜﺴﻔﻪ ﻣﻦ اﻟﺤﻴﺎء ﻣﻦ اﻟﺴﺆاﻝ، ﻭاﻟﺤﺴﺮﺓ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﻣﺴﺎﻭﺉ ﻓﻌﻠﻚ، ﻓﺎﺳﺘﺒﺪﻟﺖ ﺑﺎﻟﻜﺂﺑﺔ ﻭاﻟﺤﺰﻥ ﺳﺮﻭﺭا ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ، ﻓﺄﺳﻔﺮ ﻭﺟﻬﻚ، ﻭاﺑﻴﺾ ﻟﻮﻧﻚ.
ﻓﺘﻮﻫﻢ ﺭﺿﺎﻩ ﻋﻨﻚ ﺣﻴﻦ ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻨﻪ، ﻓﺜﺎﺭ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻚ، ﻓﺎﻣﺘﻸ ﺳﺮﻭﺭا ﻭﻛﺪﺕ ﺃﻥ ﺗﻤﻮﺕ ﻓﺮﺣﺎ ﻭﺗﻄﻴﺮ ﺳﺮﻭﺭا، ﻭﻳﺤﻖ ﻟﻚ، ﻓﺄﻱ ﺳﺮﻭﺭ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﺴﺮﻭﺭ ﻭاﻟﻔﺮﺡ ﺑﺮﺿﺎ اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ-؟! ﻓﻮ اﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ- ﻟﻮ ﺃﻧﻚ ﻣﺖّ ﻓﺮﺣﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﻴﻦ ﺗﻮﻫﻤﺖ ﺭﺿﺎﻩ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ ﻟﻜﻨﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﺣﺮﻳﺎ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﻟﻢ ﺗﺴﺘﻴﻘﻦ ﺑﺮﺿﺎﻩ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ، ﻭﻟﻜﻦ ﺁﻣﻼ ﻟﺬﻟﻚ، ﻓﻜﻴﻒ ﺑﻚ ﻣﺴﺘﻴﻘﻨﺎ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻵﺧﺮﺓ، ﻭﻟﻮ ﺗﻮﻫﻤﺖ ﻧﻔﺴﻚ، ﻭﻗﺪ ﺑﺪا ﻟﻚ ﻣﻨﻪ اﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭاﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻛﻨﺖ ﺣﻘﻴﻘﺎ ﺃﻥ ﺗﻄﻴﺮ ﺭﻭﺣﻚ ﻣﻦ ﺑﺪﻧﻚ ﻓﺮﺣﺎ، ﻓﻜﻴﻒ ﺃﻥ ﻟﻮ ﻗﺪ ﺳﻤﻌﺖ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ- اﻟﺮﺿﺎ ﻋﻨﻚ ﻭاﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ﻟﻚ، ﻓﺄﻣّﻦ ﺧﻮﻓﻚ، ﻭﺳﻜّﻦ ﺣﺬﺭﻙ، ﻭﺗﺤﻘﻖ ﺃﻣﻠﻚ ﻭﺭﺟﺎﺅﻙ ﺑﺨﻠﻮﺩ اﻷﺑﺪ، وأﻳﻘﻨﺖ ﺑﻔﻮﺯﻙ ﻭﻧﻌﻴﻤﻚ ﺃﺑﺪا ﻻ ﻳﻔﻨﻰ ﻭﻻ ﻳﺒﻴﺪ ﺑﻐﻴﺮ ﺗﻨﻘﻴﺺ ﻭﻻ ﺗﻜﺬﻳﺐ.
ﻓﺘﻮﻫﻢ ﻧﻔﺴﻚ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ- ﻭﻗﺪ ﺑﺪا ﻟﻚ ﻣﻨﻪ اﻟﺮﺿﺎ، ﻭﻃﺎﺭ ﻗﻠﺒﻚ ﻓﺮﺣﺎ، ﻭاﺑﻴﺾ ﻭﺟﻬﻚ ﻭﺃﺷﺮﻕ ﻭﺃﻧﺎﺭ ﻭﺃﺣﺎﻝ ﻋﻦ ﺧﻠﻘﺘﻪ، ﻓﺼﺎﺭ ﻛﺄﻧﻪ اﻟﻘﻤﺮ ﻟﻴﻠﺔ اﻟﺒﺪﺭ. ﺛﻢ ﺧﺮﺟﺖَ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻼﺋﻖ ﻣﺴﺮﻭﺭا ﺑﻮﺟﻪٍ ﻣﺤﺒﻮﺭ، ﻗﺪ ﺣﻞ ﺑﻪ ﺃﻛﻤﻞ اﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭاﻟﺤﺴﻦ، ﻳﺴﻄﻊ ﻧﻮﺭا ﻣﺸﺮﻗﺎ ﺑﺘﻸﻟﺌﻪ، ﺗﺘﺨﻄﺎﻫﻢ ﺑﺎﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭاﻟﺤﺴﻦ ﻭاﻟﻨﻮﺭ ﻭاﻟﻀﻴﺎء، ﻛﺘﺎﺑﻚ ﺑﻴﻤﻴﻨﻚ، ﺃﺧﺬ ﺑﻀﺒﻌﻴﻚ ﻣﻠﻚ ﻳﻨﺎﺩﻱ ﻋﻠﻰ ﺭﺅﻭﺱ اﻟﺨﻼﺋﻖ: ﻫﺬا ﻓﻼﻥ اﺑﻦ ﻓﻼﻥ ﺳﻌﺪ ﺳﻌﺎﺩﺓ ﻻ ﻳﺸﻘﻰ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﺃﺑﺪا.
ﻓﺘﻮﻫﻢ ﻧﻔﺴﻚ ﻭﺃﻧﺖ ﺗﺘﺨﻄﻰ اﻟﺨﻼﺋﻖ، ﻭﻛﺘﺎﺑﻚ ﻓﻲ ﻳﻤﻴﻨﻚ ﺑﺠﻤﺎﻝ ﻭﺟﻬﻚ ﻭﻧﻮﺭﻩ، ﻭﻓﺮﺡ ﻗﻠﺒﻚ ﻭﺳﺮﻭﺭﻩ، ﻭﻗﺪ ﺷﺨﺼﺖ ﺃﺑﺼﺎﺭﻫﻢ ﺇﻟﻴﻚ ﻏﺒﻄﺔ ﻟﻚ ﻭﺗﺄﺳﻔﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻟﻮا ﻣﻦ اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ- ﻣﺎ ﻧﻠﺖ، ﻓﻠﻴﻌﻈﻢ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ- ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﺫﻟﻚ ﺃﻣﻠﻚ ﻭﺭﺟﺎﺅﻙ، ﻓﺈﻧﻪ -ﻋﺰ ﻭﺟﻞ- ﺇﻥ ﺗﻔﻀﻞ ﻋﻠﻴﻚ ﻧﻠﺖ ﺫﻟﻚ وسُعدت سعادة لن تشقى بعدها أبدا().
فيجب عليك بهذا الفضل أن تسعد الآن وتتخيله في الآخرة كما وصفته لك فإنك إن أديت مهمتك في الدنيا بعبادة وإحسان بشكل مطلوب ولو كان عندك بعض التقصير فكل ابن ادم خطّاء, وكلنا غير معصومين, فإن فعلت وفقت -بإذن الله- لهذا الفضل والله طيب يحب الطيبين ورحيم يحب الرحماء..