الدنيا كثيرة المغريات، مليئة بالملهيات، سريعة التغيرات، تنفث سُمّها كالأفعى، وتتلوّن كالحرباء، وتفترش كالحية السوداء، من ركن إليها تعب، ومن استأنس بها وُحِش، ومن لهث بعدها هلك، سعادتها حزن، وسرورها هموم وغمّ، وفرحها بكاء، وراحتها نكد، وبني آدم منها في كبد.
ﺃﺑﺎﻧﺖ ﻟﻠﻨﻮاﻇﺮ ﻋﻴﻮﺑﻬﺎ، ﻭﻛﺸﻔﺖ ﻟﻠﺒﺼﺎﺋﺮ ﻏﻴﻮﺑﻬﺎ، ﻭﻋﺪﺩﺕ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺴﺎﻣﻪ ﺫﻧﻮﺑﻬﺎ، ﻭﻣﺎ ﻣﺮﺕ ﺣﺘﻰ ﺃﻣﺮّﺕ ﻣﺸﺮﻭﺑﻬﺎ.
ﻓﻠﺬاﺗﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻟﻤﻌﺎﻥ اﻟﺒﺮﻕ، ﻭﻣﺼﻴﺒﺘﻬﺎ ﻭاﺳﻌﺔ اﻟﺨﺮﻕ، ﺳﻮﺕ ﻋﻮاﻗﺒﻬﺎ ﺑﻴﻦ ﺳﻠﻄﺎﻥ اﻟﻐﺮﺏ ﻭاﻟﺸﺮﻕ، ﻓﻤﺎ ﻧﺠﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺫﻭ ﻋﺪﺩ، ﻭﻻ ﺳﻠﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺻﺎﺣﺐ مدﺩ، ﻣﺰﻗﺖ اﻟﻜﻞ ﺑﻜﻒ اﻟﺒﺪﺩ، ﺛﻢ ﻭﻟّﺖ ﻓﻤﺎ ﺃﻟﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﺣﺪ.
ﺇﻳــﺎﻙ ﻭاﻟـــــــﺪﻧﻴﺎ اﻟــــــــﺪﻧﻴﺔ ﺇﻧــــــــﻬﺎ ... ﻫــــــــــــﻲ اﻟﺴﺤﺮ ﻓﻲ ﺗﺨﻴﻴﻠﻪِ ﻭاﻓﺘﺮاﺋﻪ
ﻣﺘﺎﻉ ﻏﺮﻭﺭ ﻻ ﻳﺪﻭﻡ ﺳﺮﻭﺭﻫﺎ ... ﻭﺃﺿــــﻐﺎﺙ ﺣـــــــﻠﻢ ﺧـــــﺎﺩﻉٌ ﺑﺒــــــﻬﺎﺋــــﻪ
ﻓﻤﻦ ﺃﻛﺮﻣﺖ ﻳﻮﻣﺎ ﺃﻫﺎﻧﺖ ﻟﻪ ﻏﺪا ... ﻭﻣﻦ ﺃﺿﺤﻜﺖ ﻗﺪ ﺁﺫﻧﺖ ﺑﺒﻜﺎﺋﻪ
ﻭﻣﻦ ﺗﺴﻘﻪ ﻛﺄﺳﺎ ﻣﻦ اﻟﺸﻬﺪ ﻏﺪﻭﺓ ... ﺗﺠﺮّﻋﻪ ﻛﺄﺱ اﻟﺮﺩﻯ ﻓﻲ ﻣﺴﺎﺋﻪ
ﻭﻣﻦ ﺗﻜﺲ ﺗﺎﺝ اﻟﻤﻠﻚ ﺗﻨﺰﻋﻪ ﻋﺎﺟﻼ ... ﺑﺄﻳﺪﻱ اﻟﻤﻨﺎﻳﺎ ﺃﻭ ﺑﺄﻳﺪﻱ ﻋﺪاﺋﻪ
ﺃﻻ ﺇﻧﻬﺎ ﻟﻠﻤﺮء ﻣﻦ ﺃﻛﺒﺮ اﻟﻌـــــــــــــﺪاء ... ﻭﻳﺤـــﺴﺒﻬﺎ اﻟﻤﻐﺮﻭﺭ ﻣﻦ ﺃﺻﺪﻗﺎﺋﻪ
ﻓﻠﺬاﺗﻬﺎ ﻣﺴﻤﻮﻣﺔ ﻭﻭﻋﻮﺩﻫﺎ ﺳﺮاﺏ... ﻓـــــــــــــــــﻤﺎ الظاﻣﻲ ﺭﻭﻯ ﻣﻦ ﻋﻨﺎﺋﻪ
ﻭﻛﻢ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ﺫﻣﻬﺎ... ﻭﻛﻢ ﺫﻣَّﻬﺎ اﻷﺧﻴﺎﺭ ﻣﻦ ﺃﺻﻔﻴﺎﺋﻪ..
ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﻌﻠﻤﺎء: ﺇﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻛﺜﻴﺮﺓ اﻟﺘﻐﻴﻴﺮ، ﺳﺮﻳﻌﺔ اﻟﺘﻨﻜﻴﺮ، ﺷﺪﻳﺪﺓ اﻟﻤﻜﺮ، ﺩاﺋﻤﺔ اﻟﻐﺪﺭ، ﻓﺎﻗﻄﻊ ﺃﺳﺒﺎﺏ اﻟﻬﻮﻯ ﻋﻦ ﻗﻠﺒﻚ، ﻭاﺟﻌﻞ ﺃﺑﻌﺪ ﺃﻣﻠﻚ ﺑﻘﻴﺔ ﻳﻮﻣﻚ، ﻭﻛﻦ ﻛﺄﻧﻚ ﺗﺮﻯ ﺛﻮاﺏ ﺃﻋﻤﺎﻟﻚ()، واجعل الجنة نصب عينيك.
ﺃﺭاﺩ الله لها ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻟﻠﻀﺪﻳﻦ، ﻭاﻟﻨﻮﻋﻴﻦ، ﻭاﻟﻔﺮﻳﻘﻴﻦ، ﻭاﻟﺮﺃﻳﻴﻦ ﺧﻴﺮ ﻭﺷﺮ، ﺻﻼﺡ ﻭﻓﺴﺎﺩ، ﺳﺮﻭﺭ ﻭﺣﺰﻥ، ﺛﻢ ﻳﺼﻔﻮ اﻟﺨﻴﺮ ﻛﻠﻪ، ويبقى سرورا في الجنة، ويضمر الشرّ في نار جهنم..
اﻟﻨﻔﺲ ﺗﺒﻜﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﻗﺪ ﻋﻠﻤﺖ ... ﺃﻥ اﻟﺴﻼﻣﺔ ﻣﻨﻬﺎ ﺗﺮﻙ ﻣﺎ ﻓــــــــــﻴﻬﺎ
ﻻ ﺩاﺭ ﻟﻠﻤﺮء ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮﺕ ﻳﺴﻜﻨﻬﺎ ... ﺇﻻ اﻟﺘﻲ ﻛﺎﻥ ﻗﺒﻞ اﻟﻤﻮﺕ ﺑﺎﻧﻴﻬﺎ
ﻓﺈﻥ ﺑﻨـــﺎﻫﺎ ﺑﺨﻴﺮ ﻃـــــﺎﺏ ﻣـــــــــﺴﻜﻨﻪ ... ﻭﺇﻥ ﺑﻨﺎﻫﺎ ﺑﺸﺮ ﺧـــــﺎﺏ ﺑﺎﻧﻴـــــــــﻬﺎ.
فإذا عرفت حقيقتها، وسرعة زوالها، فريّض نفسك للعيش فيها، وتحمّل متاعبها، واثبت في مواجهتها، فهي خلقت هكذا, وستبقى هكذا, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
خذ لك في العالم رحلة، فلن ترى إلا وكل إنسان عنده محنة، وفيه بلوة، ومصاب بفجعة، ومصفوع بلطمة، منهم من به جلطة، ومنهم من غادر بذبحة، ومنهم من ينتظر الشهقة.
وخذ لك نزهة في المستشفيات، فلن تجد إلا مجروح يصيح، ومعاق يطيح، وامرأة تنيح، وأعمى لا يشوف.
وانقل بصرك في الطرقات، فلن تجد إلا أصحاب الحاجة يسألون، وفي وجوه الخلق يبكون ويطلبون، وأصحاب سيارات يتقلبون، وفيها يحترقون، وبدماءهم ينزفون، هذا إن كانوا أحياء وإلا سرعان ما يموتون.
وتلمّس خبر البيوت وأصحابها، فلن تجد إلا أرملة تبكي على فراق زوجها، وأمٍّ تأن لموت ولدها، وامرأة حزينة لطلاقها من زوجها، وعجوز عقها أولادها، فطُردت من بيتها، وكم من أسرة الفقر حلّ بها، والجوع أهلك أصحابها، وكم من قصور الحرب هدّمها، والرصاص أصابتها، والطائرات استهدفتها، والأيدي القذرة اغتصبتها..
وتفقّد حال السجون، فلن تجد فيها إلا مظلوم، ومتهوم، ومديون، ومحروم، ومجنون، ومسحور، وبالإعدام عليه محكوم..
لو نظرت بعين قلبك لعلمت علم اﻟﻴﻘﻴﻦ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺤﻴﺎﺓ ﺳﺠﻦ ﻟﻠﻤﺆﻣﻦ، ﻭﺩاﺭ ﻟﻷﺣﺰاﻥ ﻭاﻟﻨﻜﺒﺎﺕ، ﺗﺼﺒﺢ اﻟﻘﺼﻮﺭ ﺣﺎﻓﻠﺔ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺗﻤﺴﻲ ﺧﺎﻭﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﻭﺷﻬﺎ، وتمسي كالنعيم، وتصبح كالصريم، نحسبها كخضراء رائعة، وهي كسراب بقيعة، ﻟﻴﺲ ﻓﻴﻬﺎ ﻟﺬﺓ ﻋﻠﻰ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺇﻻ ﻭﻫﻲ ﻣﺸﻮﺑﺔ بالكدر، وممزوجة بالحزن، ومحشوة بالضجر، ﻓﻤﺎ ﻳُﻈﻦ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻧﻪ ﺷﺮاﺏ، ﻓﻬﻮ ﺳﺮاﺏ، ﻭﻋﻤﺎﺭﺗﻬﺎ ﻭﺇﻥ ﺣﺴﻨﺖ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ فهي ﺧﺮاﺏ، ﻭاﻟﻌﺠﺐ ﻛﻞ اﻟﻌﺠﺐ ﻣﻤﻦ ﻳﺪﻩ ﻓﻲ ﺳﻠﺔ اﻷﻓﺎﻋﻲ ﻛﻴﻒ ﻳﻨﻜﺮ اﻟﻠﺪﻍ ﻭاﻟﻠﺴﻊ؟! ومن خاض الماء الغمر لم يخل من بلل.
ﻃﺒﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻛﺪﺭ ﻭﺃﻧﺖ ﺗﺮﻳﺪﻫﺎ... ﺻﻔﻮا ﻣﻦ اﻷﻗﺬاﺭ ﻭاﻷﻛﺪاﺭ.
فتريّض مع الحياة إﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺫا ﻭﺿﻌﺖ، ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻣﻦ ﺑﻠﻴﺔ، ﻭﻻ ﺗﺼﻔﻮ ﻣﻦ ﻣﺤﻨﺔ ﻭﺭﺯﻳﺔ، ﻻ ﻳﻨﺘﻈﺮ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻻ اﻟﺴﻘﻢ، ﻭاﻟﻜﺒﻴﺮ ﺇﻻ اﻟﻬﺮﻡ، ﻭاﻟﻤﻮﺟﻮﺩ ﺇﻻ اﻟﻌﺪﻡ، ﻋﻠﻰ ﺫا ﻣﻀﻰ اﻟﻨﺎﺱ؛ خير وشرّ، اﺟﺘﻤﺎﻉ ﻭﻓﺮﻗﺔ، ﻭﻣﻴﺖ ﻭﻣﻮﻟﻮﺩ، ﻭﺑﺸْﺮى ﻭﺃﺣﺰاﻥ.
ﻓﻤﺆﺟﻞ ﻳﻠﻘﻰ اﻟﺮﺩﻯ ﻓﻲ ﻏﻴﺮﻩ... ﻭﻣﻌﺠﻞ ﻳﻠﻘﻰ اﻟﺮﺩﻯ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ..
ﻫﻞ ﺭﺃيت، ﺑﻞ ﻫﻞ سمعت ﺑﺈﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﻫﺬﻩ اﻷﺭﺽ ﻟﻢ ﻳﺼﺐ ﺑﻤﺼﻴﺒﺔ ﺩﻗّﺖ ﺃﻭ ﺟﻠّﺖ ﺣﺘﻰ ﻓﻲ ﻗﻄﻊ ﺷﺴﻊ ﻧﻌﻠﻪ؟ اﻟﺠﻮاﺏ: ﻻ. ﻭﺃﻟﻒ ﻻ، ﻭﻟﻮﻻ ﻣﺼﺎﺋﺐ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻊ اﻻﺣﺘﺴﺎﺏ ﻟﻮﺭﺩﻧﺎ اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻣﻔﺎﻟﻴﺲ.
ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﻻﺑﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺘﻰ... ﻭﻻﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺠﺮﻱ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺜﻤﺎﻧﻴﻪ
ﺳﺮﻭﺭ ﻭﻫﻢٌّ ﻭاﺟﺘﻤﺎﻉ ﻭﻓﺮﻗﺔ... ﻭﻳﺴﺮ ﻭﻋﺴﺮ ﺛﻢ ﺳﻘﻢ ﻭﻋﺎﻓﻴﺔ..
ﻗﺎﻝ اﺑن اﻟﺠﻮﺯﻱ: ﻭﻟﻮﻻ ﺃﻥ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺩاﺭ اﺑﺘﻼء ﻟﻢ ﺗﻌﺘﻮﺭ ﻓﻴﻬﺎ اﻷﻣﺮاﺽ ﻭاﻷﻛﺪاﺭ، ﻭﻟﻢ ﻳﻀﻖ اﻟﻌﻴﺶ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭاﻷﺧﻴﺎﺭ، ﻓﺂﺩﻡ ﻳﻌﺎﻧﻲ اﻟﻤﺤﻦ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ اﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻧﻮﺡ ﺑﻜﻰ ﺛﻼﺛﻤﺎﺋﺔ ﻋﺎﻡ، ﻭﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻳﻜﺎﺑﺪ اﻟﻨﺎﺭ ﻭﺫﺑﺢ اﻟﻮﻟﺪ، ﻭﻳﻌﻘﻮﺏ ﺑﻜﻰ ﺣﺘﻰ ﺫﻫﺐ ﺑﺼﺮﻩ، ﻭﻣﻮﺳﻰ ﻳﻘﺎﺳﻲ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻳﻠﻘﻲ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ اﻟﻤﺤﻦ، ﻭﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻻ ﻣﺄﻭﻯ ﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﺒﺮاﺭﻱ ﻓﻲ اﻟﻌﻴﺶ اﻟﻀﻨﻚ، ﻭﻣﺤﻤﺪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭسلم -ﻳﺼﺎﺑﺮ اﻟﻔﻘﺮ، ﻭﻗُﺘﻞ ﻋﻤﻪ ﺣﻤﺰﺓ ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺃﺣﺐ ﺃﻗﺎﺭﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻧﻔﻮﺭ ﻗﻮﻣﻪ ﻋﻨﻪ، ﻭﻏﻴﺮ ﻫﺆﻻء ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء ﻭاﻷﻭﻟﻴﺎء ﻣﻤﺎ ﻳﻄﻮﻝ ﺫﻛﺮﻩ ﻭﻟﻮ ﺧﻠﻘﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻠﺬات ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺣﻆ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻨﻬﺎ(). ﻭفي الحديث: ((اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺳﺠﻦ اﻟﻤﺆﻣﻦ، ﻭﺟﻨﺔ اﻟﻜﺎﻓﺮ))().
فما دامت الدنيا هكذا للخلق بأكملهم، فما أنت إلا كقطرة من بحر عالمهم، مصيبك ما أصابهم، فلن تطعم السعادة، وتشعر بالراحة، حتى تسكن عند البلايا، وتتريّض عند الرزايا، وتصبر عند الضرايا، وتشكر عند السرايا، وتؤمن بالقضاء والقدر، وترضى بالمصائب والمحن، فقد رُفعت الصحف وجُفّ القلم، ووقع المكتوب، ووضع المقدور، ونُفّذ المأمور، سخط من سخط، ورضي من رضي، قُضِيَ الأمرُ واستوت على الجودي{فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}()ولا تكن في ضيق مما سيكون، إن ربك مع الذين اتقوا والذين هم محسنون..
لا أظنك صغيرا لا تعلم، ولا جاهلا لا تفهم، ولا أعمى لا تبصر، الدنيا على هذا الحال وضعت، وعلى الشكل هذا صنعت، فعشها كما هي لا تتضجر من المصائب، ولا تيأس من المتاعب، ولا تغتم من المثالب، ولا تحزن من المقالب، فإن فعلت فلن يبقى لك عزيز، ولن يصفو لك صاحب، ولن يكمل لك أمر، وتبقى طول الدهر حيران، لأنك تطلب من الدنيا الكمال، وهي فُطرت على النقصان.
فاصبر واثبت وجاهد وابتسم واضحك واقبل العفو والمعذرة، تجد حياتك طيبة، ضاحكة مستبشرة..
ﺗﻤﺘﻊ ﻣﻦ اﻷﻳﺎﻡ ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺣﺎﺯﻣﺎ ... ﻓﺈﻧــــﻚ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﻴـــﻦ ﻧﺎﻩ ﻭﺁﻣـــﺮ
ﺇﺫا ﺃﺑﻘﺖ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺮء ﺩﻳﻨﻪ ... ﻓﻤﺎ ﻓﺎﺗﻪ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻠﻴﺲ ﺑﻀﺎﺋﺮ
ﻓﻠﻦ ﺗﻌﺪﻝ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺟﻨﺎﺡ ﺑﻌﻮﺿﺔ ... ﻭﻻ ﻭﺯﻥ ﺫﺭ ﻣﻦ ﺟﻨﺎﺡ ﻟﻄﺎﺋﺮ
ﻓﻤﺎ ﺭﺿﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺛﻮاﺑﺎ ﻟﻤﺆﻣﻦ ... ﻭﻻ ﺭﺿﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﺟﺰاء لكافر.