{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}().
أنت لما تنظر إلى الصور المحرمة سواء صور نساء جميلات أو صور أولاد حلوين هل لك في النظر من فائدة!؟ الجواب: لا. ولا في ذلك فائدة. فإذا نظرت إلى الصور كنت كمن كان عطشانا فرأى السراب فظنه ماء فأتعب نفسه في الجري إليه فوجده لا شيء فكان أولاً: ظمآن, ثم لما جرى زاد ظمئه وازداد تعبا ومشقة فوق الظمأ, وأنت نظرك في الصور يزيدك حزنا إلى حزنك, وتفكيرا إلى تفكيرك, ووسوسة إلى وساوس رأسك.
وأنت متى أرسلت طرفك رائدا ... إلى كل عين أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر..
كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين الغيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحبا بسرور عاد بالضرر.
ما زلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليح, وتظن ذاك دواء جرحك وهو في التحقيق تجريح على تجريح, فقتلت قلبك باللحاظ وبالبكاء فالقلب منك ذبيح أي ذبيح, فالناظر يرمي بسهامٍ غرضها قلبه، فكل نظرة كأنها سهم يوجه إلى قلبه().
ولذلك أقول لك إذا أردت السعادة والحياة الغير مضطربة: إياك وعشق الصور، فإنها همٌّ حاضر، وكدر مستمر.
من سعادة المسلم بعده عن تأوهات الشعراء وولههم وعشقهم، وشكواهم الهجر والوصل والفراق، فإن هذا من فراغ القلب{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً}().
اصرف نظرك عن النظر في الصور فله فوائد جمة تجنيها أنت بغضّ نظرك عن مثل هذه الصور, فغض البصر: استجابة لأمر الله -عز وجل-, وتنفيذ لأمر الله -عز وجل-، وما استجلب العبد خيراً في الدنيا والآخرة بمثل امتثال أمر الله -عز وجل-.
وإطلاق البصر يضعف عليك قلبك ويحزنه، ويشوش عليه السير نحو السعادة, وغض البصر لله -عز وجل- يقوي لك قلبك ويفرحه, ويجعله في طريق صحيح لنيل السعادة, وإطلاق البصر يشتت قلبك ويجلب له الحزن -وهذا مشاهد معروف-؛ لأن القلب يكون مشغولاً بما يرد عليه من صور محرمة، وتذكر تلك الصورة التي رأيتها سابقا, فلا يتفرغ لطاعة الله -عز وجل- ومحبته وعبادته، إذ يصير القلب كالمزبلة فكيف يصلح لمحبة الله -عز وجل؟ قال بن القيم -رحمه الله-: ومن أطلق نظره دامت حسرته فأضر شيء على القلب إرسال البصر, فإنه يريه ما لا صبر له عنه ولا وصول له إليه وذلك غاية ألمه وعذابه().
وإطلاق البصر يقسي عليك القلب ويسد عليه أبواب العلم، والبصيرة, والفراسة, فيصعب عليك مع إطلاق البصر أن تحفظ من القرآن أو من سنة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-, أو ما يكون بينك وبين إخوانك من وصايا فلا تذكرها؛ والسبب أن قلبك مشغول بتلك الصورة.
شكوت إلى وكيعٍ سوء حفظي... فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني أن العلـــــــــم نـــــــــــور ... ونـــــــــور الله لا يؤتى لــــــــعاصي.
وإطلاق البصر ظلمة على قلبك، وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب الشر والبلاء والأحزان والهموم والغموم والكآبة والضيق والأكدار من كل جانب، وصار موئلاً لكل شر ولكل ما يغضب الله -عز وجل-.
النظرة سهم من سهام إبليس يرمي بها الإنسانُ فيقع بها هو قتيلا بالهموم والغموم والأحزان وموت القلب, قال بن القيم -رحمه الله-: والناظر إنما يرمي من نظره بسهام هدفها قلبه, وقال: فإن السهم شأنه أن يسري في القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم فإن بادر استفرغه وإلا قتله().
يا راميا بسهام اللحظ مجتهدا ... أنت القتيل بما ترم فلا تصب
وباعث الطرف يرتاد الشفاء له ... توقه إنه يأتيك بالعطب
فأنت حين تغض بصرك عن الحرام تدخل بيتك فترى زوجتك ملكة جمال، لكن لما تنظر في الأسواق وترى الموديلات والأشكال والألوان، والطول والعرض والجمال، وتنظر في صور الجوال وغيره, وتدخل على امرأتك: هل تتصور أن تكون زوجتك فيها جميع جوانب الجمال الذي في السوق؟ فعندما تراها تنظر في عيونها وإذا عيونها ليست مثل عيون تلك، وإذا طولها ليس مثل طول تلك التي كأنها غصن، وإذا بعرضها ليس بمثل عرض تلك التي هي رشيقة الجمال فتكرهها، فإذا كرهتها كرهتك، وإذا كرهتك بحثت عن غيرك كما بحثت عن غيرها، وتسوء العشرة، ويتحطم كيان الأسرة، ويتشرد الأولاد، وتفسد الحياة، وتصبح الحياة حياة بهيمية بأسباب عدم غض البصر. نسأل الله السلامة.