الشرع حرم عليك السرقة بجميع أنواعها, لكنه أباح لك سرقة القلوب من أصحابها, وكسب قلوب الناس لتسعد بها, وزرع الموّدة والسرور في أوساطها.
اكسب قلوب الناس فكل شيء في الحياة تشتريه من الناس بأموالك, إلا حبك وتقديرك واحترامك فإنك تفرضها عليهم بقوة أخلاقك, وحسن تواضعك, وخفض جناحك, وبذل معروفك لهم{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}().
إذا أردت أن تسعد في الحياة فعليك أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك, والنفوس بيوت أصحابها, فإذا أردت أن تطرقها فاطرقها برفق. دخل واعظٌ على الخليفة المأمون, فقال: إني واعظك فمغلّظ لك في القول, فقال المأمون: مهلا! .. فإن الله قد أرسل من هو خير منك إلى من هو شرٌّ مني, أرسل موسى وهارون إلى فرعون وقال له: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا}()().
أحْسِن إلى النّاس تستعبد قلوبهمْ ... فطالما استعبد الإنسان إحسانُ.
فحتى يشعر بك الآخرون, عليك أن تشعرهم بوجودك, بذل, صدقة, معروف, بسمة, ضحكة, فالبسمة في وجوه الناس أقلُّ تكلفة من الكهرباء, وأكثر إشراقة منها.
يزيــدك وجـهـه حـسـنا ... إذا مــا زدته نـظـــــــــرا.
إن سرقة القلوب أمر لا يحتاج إلى ليلٍ للسرقة, ولا إلى تخطيط ومؤامرة, ولا إلى نصب ومحايلة, ولا إلى سلبٍ وجريٍ وهرولة, ولا إلى شكوى وبلبلة, إنما يحتاج إلى تواضع في المعاملة, وخفض الجناح وعفوٍ ومسامحة, يحتاج إلى كلمات حساسة, ونظرات جذابة, وحركات صائبة, وشفايف باسمة (( إن من البيان لسحرا )) ().
إنَّ هذه العبارات الجميلة التي تنتقيها بروح مثالية تأثيرها ساحر، فهي تحمل في طيها مشاعر التقدير والاحترام مختلطة بالحب والشفقة، وأنَّ كل كلمة قاسية في العتاب لها مرادف من الكلمات الطيبة، قال الصينيون في مثل سائر عندهم: نقطة العسل تصيد من الذباب ما لا يصيد برميل من العلقم ().
هذا وقع الكلمة الطيبة تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها، بخلاف الكلام المر الذي لا يستسيغه أحد.
فسرقة القلوب لا تعني تعاملك بالحيل والنصب والغدر والمماطلة والخيانة, إنما تعني أخلاقك, احترامك, طيبتك, تبسمك, كلامك, محبتك, ضحكتك, وصدقك مع إخوانك. فالبشر مخلوقات عاطفية, تجذبهم الكلمات الطيبة, والمعاملة الحسنة, والأخلاق الرفيعة, وينفرهم التوبيخ والتقريع والمعاملة السيئة والأخلاق الرديئة.
جاملِ الناس تحزْ رقِ الجميع ... ربّ قيد من جميل وصنيعْ
عامل الكل بإحسانٍ تُحبُّ ... فقديما جُمّل المرءِ الأدب ْ
وتجنب كل خلق لم يرقْ ... إنّ ضيق الرزق من ضيق الخلقْ
اطلبْ الحق برفقٍ تُحمدِ ... طالب الحقّ بعنفٍ معتدِ.
ابتسم في وجوه الناس, فتبسمك في وجوههم زرعُ لا ييبس, وزهرة لا تذبل, وثمرة ناضجة يانعة لا تسقط, وعطر يفوح شمّه أمد الدهر ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة)) () ابذل معروفا تسعد وتغنم, واضحك لإخوانك وتبسّم, واعمل جميلا طوال الدهر ما تندم, وسامح وصافح تكرم وتسلم ((ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)) (). وكل ما تستطيع نيله بالإرهاب, يسهل عليك نيله بالابتسام, ولو أن تشقّ طريقك بابتسامتك, خير لك من أن تشقّها بسيفك.
تبسم! هز راحتك، قدم يدك، احتف بالداخلين عليك لأنك إنسان ذو خلق، ما أحسن المسئول يوم يحيي الداخلين والمراجعين!, ما أحسنه حين يتواضع!, ما أحسنه يسأل عن أخبارهم!, كان -عليه الصلاة والسلام- إذا وفدت عليه الوفود يقول: ((ممن القوم؟)) () وكان يسأل ويقول: (( إذا آخى الرجلُ الرجلَ فليسأله عن اسمه واسم أبيه ومن هو, فإنه أقبل للمودة)) (). وفي حديث: ((إنكم لا تسعون الناس بأموالكم ولكن يسعهم منكم حسن الخلق)) () أنت لا تنفق على الناس من جيبك، إنما تنفق عليهم بالبسمة، وبالرحمة يحببك الله إلى الخلق، ويجعلك قريباً منه، وبقدر ما يفعل الإنسان يفعل الله له يوم القيامة، والجزاء من جنس العمل.
أحسن إلى الناس تستبعد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان
كن رائق البشر إن الحر شيمته صفيحة وعليها البشر عنوان.
يقول جرير بن عبد الله: ((ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا تبسم، ولا حجب لي منذ أسلمت )) () إذاً: الابتسامة أحياناً تكون من الفرح والسرور والاستبشار، وأحياناً تكون من الغضب، فيتبسم الإنسان لأن من سجيته الكرم والخلق الحسن، حتى وهو مغضب، ويدل حاله على أن هذا التبسم ليس تبسم الرضا، وإنما هو تبسم الغضب.
فأوسع باب أو مدخل إلى جذب قلوب الناس أن تدخل إلى قلوبهم, وتكسب ودهم من خلال الكلمة الطيبة, والبسمة, والإحسان إليهم, وبذل المعروف, والصدق معهم, فأنت الآن في نفسك تكره فلان وعلان؛ والسبب أنه كاذب وخداع وعبوس, إذاً: فاستغل هذا الفرصة لتدخل بحر القلوب, وتسكن بقلبك في أعماقه, وتشرب من ماءه, وتأكل من طعامه{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ}().
عليك -يا أخي- بالكلمة الطيبة والإبتسامة في وجوه الغير, ولك أن تجعل الناس كلهم آلة تصوير, يريدوا أن يصوروك. فلا يسعك إلا أن تبتسم أمام الكاميرا.