إن النحل ذكيُّ جدا إلى غاية أنه يهبط بكامل قواه على الزهرة فيأخذ منها رحيقها دون أن تشعر به، ولا يكسر منها شيء، فيصنع للبشرية عسلا مصفى فيه شفاء للناس..
فكن أنت كالنحل طيب, ويضع طيبا, تجبر خواطر الناس، ولا تكسر قلوبهم، ولا تجرح مشاعرهم تصنع برفقك وتواضعك عسل المحبّة المصفى..
واعلم أن الرﻓﻖ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺷﻲء ﺇﻻ ﺯاﻧﻪ، ﻭﻣﺎ ﻧﺰﻉ ﻣﻦ ﺷﻲء ﺇﻻ ﺷﺎﻧﻪ، اﻟﻠﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺨﻄﺎﺏ، اﻟﺒﺴﻤﺔ اﻟﺮاﺋﻘﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺤﻴﺎ، اﻟﻜﻠﻤﺔ اﻟﻄﻴﺒﺔ ﻋﻨﺪ اﻟﻠﻘﺎء، ﻫﺬﻩ ﺣﻠﻞ ﻣﻨﺴﻮﺟﺔ ﻳﺮﺗﺪﻳﻬﺎ اﻟﺴﻌﺪاء، ﻭﻫﻲ ﺻﻔﺎﺕ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻛﺎﻟﻨﺤﻠﺔ ﺗﺄﻛﻞ ﻃﻴﺒﺎ ﻭﺗﺼﻨﻊ ﻃﻴﺒﺎ، ﻭﺇﺫا ﻭﻗﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﺯﻫﺮﺓ ﻻ ﺗﻜﺴﺮﻫﺎ؛ ﻷﻥ اﻟﻠﻪ ﻳﻌﻄﻲ ﻋﻠﻰ اﻝﺭﻓﻖ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻄﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﻌﻨﻒ.
ﺇﻥ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﺗﺸﺮﺋﺐ ﻟﻘﺪﻭﻣﻬﻢ اﻷﻋﻨﺎﻕ، ﻭﺗﺸﺨﺺ ﺇﻟﻰ ﻃﻠﻌﺎﺗﻬﻢ اﻷﺑﺼﺎﺭ، ﻭﺗﺤﻴﻴﻬﻢ اﻷﻓﺌﺪﺓ ﻭﺗﺸﻴﻌﻬﻢ اﻷﺭﻭاﺡ، ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺤﺒﻮﻥ ﻓﻲ ﻛﻼﻣﻬﻢ، ﻓﻲ ﺃﺧﺬﻫﻢ ﻭﻋﻄﺎﺋﻬﻢ، ﻓﻲ ﺑﻴﻌﻬﻢ ﻭﺷﺮاﺋﻬﻢ، ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻬﻢ ﻭﻭﺩاﻋﻬﻢ.
ﺇﻥ اﻛﺘﺴﺎﺏ اﻷﺻﺪﻗﺎء ﻓﻦ ﻣﺪﺭﻭﺱ ﻳﺠﻴﺪﻩ اﻟﻨﺒﻼء اﻷﺑﺮاﺭ، ﻓﻬﻢ ﻣﺤﻔﻮﻓﻮﻥ ﺩاﺋﻤﺎ ﻭﺃﺑﺪا ﺑﻬﺎﻟﺔ ﻣﻦ اﻟﻨﺎﺱ، ﺇﻥ ﺣﻀﺮﻭا ﻓﺎﻟﺒﺸﺮ ﻭاﻷﻧﺲ، ﻭﺇﻥ ﻏﺎﺑﻮا ﻓﺎﻟﺴﺆاﻝ ﻭاﻟﺪﻋﺎء.
ﺇﻥ ﻫﺆﻻء اﻟﺴﻌﺪاء ﻟﻬﻢ ﺩﺳﺘﻮﺭ ﺃﺧﻼﻕ ﻋﻨﻮاﻧﻪ: {ادْفَعْ بِالتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإذَا الّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَه عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِى حَمِيمٌ} ()
ﻓﻬﻢ ﻳﻤﺘﺼﻮﻥ اﻷﺣﻘﺎﺩ ﺑﻌﺎﻃﻔﺘﻬﻢ اﻟﺠﻴﺎﺷﺔ، ﻭﺣﻠﻤﻬﻢ اﻟﺪاﻓﺊ، ﻭﺻﻔﺤﻬﻢ اﻟﺒﺮﻱء، ﻳﺘﻨﺎﺳﻮﻥ اﻹﺳﺎءﺓ ﻭﻳﺤﻔﻈﻮﻥ اﻹﺣﺴﺎﻥ، ﺗﻤﺮ ﺑﻬﻢ اﻟﻜﻠﻤﺎﺕ اﻟﻨﺎﺑﻴﺔ ﻓﻼ ﺗﻠﺞ ﺁﺫاﻧﻬﻢ، ﺑﻞ ﺗﺬﻫﺐ ﺑﻌﻴﺪا ﻫﻨﺎﻙ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺭﺟﻌﺔ. ﻫﻢ ﻓﻲ ﺭاﺣﺔ، ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﺃﻣﻦ، ﻭاﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻣﻨﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﻼﻡ ((اﻟﻤﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺳﻠﻢ اﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﻪ ﻭﻳﺪﻩ، ﻭاﻟﻤﺆﻣﻦ ﻣﻦ ﺃﻣﻨﻪ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻠﻰ ﺩﻣﺎﺋﻬﻢ ﻭﺃﻣﻮاﻟﻬﻢ)) (){وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}()بشّر هؤلاء بثواب عاجل من الطمأنينة والسكينة والهدوء. وبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر().
وانظر إلى الرفيق -عليه الصلاة والسلام- كيف جذب القلوب، وأسر الأرواح إليه، ﺣﻴﻦ ﻋﻄﺲ ﺭﺟﻞ ﻓﻲ اﻟﺼﻼﺓ ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺮﺣﻤﻚ اﻟﻠﻪ ﺛﻢ ﺭﻣﻘﻪ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﺄﺑﺼﺎﺭﻫﻢ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻭﻳﻞ ﺃﻣﻲ ﻣﺎ ﺑﺎﻟﻜﻢ ﺗﺮﻣﻘﻮﻧﻲ ﺑﺄﺑﺼﺎﺭﻛﻢ؟ ﻓﻴﻘﻮﻝ -ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ-: بابي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني،ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺩﻋﺎﻧﻲ ﻭﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻼﺓ ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ﻓﻴﻬﺎ ﺷﻲء ﻣﻦ ﻛﻼﻡ اﻟﻨﺎﺱ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ اﻟﺬﻛﺮ ﻭاﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﻭاﻟﺪﻋﺎء ﻭﻗﺮاءﺓ اﻟﻘﺮﺁﻥ()..
ﺧﺬ اﻷﻣﻮﺭ ﺑﺮﻓﻖ ﻭاﺗﺌﺪ ﺃﺑﺪا ... ﺇﻳﺎﻙ ﻣﻦ ﻋﺠﻞ ﻳﺪﻋﻮ ﺇﻟﻰ ﻭﺻﺐ
اﻟﺮﻓﻖ ﺃﺣﺴﻦ ﻣﺎ ﺗﺆﺗﻰ اﻷﻣﻮﺭ ﺑﻪ ... ﻳﺼﻴﺒﻪ ﺫﻭ اﻟﺮﻓﻖ ﺃﻭ ﻳﻨﺠﻮ ﻣﻦ اﻟﻌﻄﺐ..
....................................
ﻭﻋﻠﻴﻚ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ اﻷﻣﻮﺭ ﺻﻌﻮﺑﺔ ... ﻭاﻟﺮﻓﻖ ﻟﻠﻤﺴﺘﺼﻌﺒﺎﺕ ﻣﺪاﻥ
ﻭﺑﺤﺴﻦ ﻋﻘﻞ اﻟﻤﺮء ﻳﺜﺒﺖ ﺣﺎﻟﻪ ... ﻭﻋﻠﻰ اﻟﻤﻐﺎﺭﺱ ﺗﺜﻤﺮ اﻟﻌﻴﺪاﻥ..
ﺇﻥ الرﻓﻖ ﻓﻲ اﻟﺘﻌﺎﻣﻞ ﺗﺬﻋﻦ ﻟﻪ اﻷﺭﻭاﺡ، ﻭﺗﻨﻘﺎﺩ ﻟﻪ اﻟﻘﻠﻮﺏ، ﻭﺗﺨﺸﻊ ﻟﻪ اﻟﻨﻔﻮﺱ, حتى الأطباء يوصون بشرب العلاج للنفع يوصون بشربه برفق وتأنٍ خوف الضرر أن يلحق بصحة المريض..
وهكذا القلوب كالبيضة لو لم تحملها برفق وحذر لطاحت وانكسرت، كذلك القلوب تحتاج إلى رفق في المعاملة، وأساليب رقيقة في المحاورة، خلالها تكن قد أصبت هدف السعادة, وحققت غاية المحبة..
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجيد هذا الأسلوب فأذعنت له القلوب حبا وتقديرا, وأصبح الكل يحب رسوله أكثر من نفسه حتى وصل بهم الأمر من شدة المحبة إلى شرب دمه، ولعق ريقه، وبلْع نخامته -عليه الصلاة والسلام-..