حينما تحس في قلبك شيئا من الارتياب النفسي وضيق الصدر وقليلا من الاكتئاب والشعور بالإرهاق والتعب, جرّب هذا العملية التطبيقية: تمدد واستلقِ على الفراش, وأرخ جوارحك, وأغلق عينيك لبرهة من الوقت, ثم ابدأ بالتسبيح, سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! الحمد لله! الحمد لله! الحمد لله! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر!, وبهدوء وسكينة ووقار, وحضور القلب, ونطق الحروف ببطء, وتأنّ, حرفٌ يتبعه حرف, وانظر ماذا يحصل؟!.
القرآن صوّر هذا المشهد في أجمل تصوير, وأمر نبيّه بالتسبيح في أوقات طيّبة مباركة, وأمره أن يسبّح وقت المصائب التي تصيبه, والعسر الذي يجده, وبعد كل ضيق{فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}() {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ}().
أغلق عينيك عند المصائب وابتسم, ثم سبّح, وأكثر من الاستغفار والذكر, وقل: إنا لله وإنا إليه راجعون, والله الذي لا إله إلا هو إنك تشعر بقشعريرة على جسدك تبدأ من اليدين والصدر؛ ومعنى ذلك: أن هواء السعادة قد دخل إلى قلبك فينفتح له قلبك, وينشرح له صدرك, وتطمئن له نفسك, وتهدأ له جوارحك, وتسكن له أعصابك, ولحظة يسيرة وإذا أنت تضحك من شدة السرور الذي أراحك, وتنسى المصيبة وكأنها لم تكن هناك مصيبة{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}().
أغلق عينيك وقت حصول الأذى, والظلم, والعداوة, وممن يريد أن ينال منك, أغلق عينيك قبل أن تنتقم, وقبل أن تجيب, وقبل أن ترد له بالمثل, وقل: حسبي الله ونعم الوكيل, فقط, حتما سينشرح صدرك, ويرطب لسانك, لماذا كل هذا؟! الجواب: لإنك رفعت القضية إلى حاكم ليس كحكام الأرض, والشهود على قضيتك ليسوا كشهود أهل الأرض, وملف القضية ليس كملفّ أهل الأرض, فحينما تغمض عينيك وترفع القضية إلى ملك الملوك -جلّ جلاله-, مباشرة في الوقت الذي أنت غامض فيه عينيك يعطيك ربك شيك أو بطاقة, قد لا تراها بعينك؛ لإنك غامض العينين مكتوب فيها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً}() فتجد قلبك بدأ يطمئن ويرتاح, والنتيجة التي حصلت عليها بعد قولك: حسبُنا الله ونعم الوكيل, هي: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}() أنت المرتاح والمطمئن.
أغلق عينيك في وقت أنت فيه تعبان ومكسور الجناح, ثم هنا الإغماض ليس كالأول, هنا أريدك تغمض عينيك, وتغلق فمك, وتفتح أنفك لأخذ نَفَسْ تسحبه من الصدر, وتنسى الدنيا, وتنسى الأشغال والأعمال, والزوجة والأولاد, والوضيفة والمال, والمشاكل والهموم والأحزان, وكل شيء في الحياة إنساه, وأغلق فمك عن التحدث والكلام, في هذا الجلسة أنت تسلّم أمرك لله رب العالمين, في هذه اللحظة أنت تنظر إلى وجه ربّ العالمين, في هذه اللحظة أنت تناجي رب العالمين, ستشعر والله -ورب الكعبة- بشعور فائق لا يُكاد يصدّق, راحة وطمأنينة وسكينة وانشراح وسعة, والله تشعر وكأنك ملك تحلق بجناحين في السماء, سبحان الله! شعور بالسعادة في بضع دقائق لا غير.
أغلق عينيك لفترة من الوقت, وأغلق فمك عن الكلام, واجلس على الفراش, -وأنت لوحدك- ثم ابدأ العمل بالتفكر في ما أصفه لك الآن: تفكر وكأنك وحيد في الأرض لا زوجة ولا أولاد ولا أصحاب ولا دولة ولا شرطة ولا أيّ شيء ممّا تراه الآن أمام عينيك, البحر لك وحدك, والأسماك لك لوحدك, والمطر إليك ينزل لوحدك, وكل ما تنبت الأرض لك وحدك, تأكل مما اشتهت نفسك, وتروح وتأتي متى أردت, لا أحد ينافسك, ولا أحد يسبقك, رزقك موجود عندك, في هذه الحالة أنت ما تحزن ولا تخاف؛ لأن كل شيء لك وحدك, ستشعر بالسعادة والسرور؛ لأنك ملكت الدنيا لك. صح؟!!...الآن افتح عينيك وربما سيُعاد إليك الارتياب لكن اعمل بما رأيته في الإغماض, رزقك مقسوم, والحزن غير موجود, والدنيا كلها بين يديك بمجرد أنك أصبحت معافى, عندك ما يشبعك في يومك قال رسولك –صلى الله عليه وسلم-: ((من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)) ().
والمعنى: إذا حصل على غذاء، وعلى مأوى وكان آمنا، فقد حصل على أحسن السعادات، وأفضل الخيرات، وهذا يحصل عليه كثير من الناس، لكنهم لا يذكرونه، ولا ينظرون إليه ولا يلمسونه.