من أعظم النعم -لو كنا نعقل- هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا، رفعة لدرجاتنا عند ربنا، ثم هي علاج عظيم لمآسينا، ودواء ناجع لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين، وتملأ جوانحنا بالرضا.
الصلاة في الإسلام كالرأس للجسد, والعمود للبناء, والسقف للبيت, والوقود للسيارة.
فهل يبقى جسد إذا قطع الرأس؟! هل تبقى حياة بعد قطع الرأس؟! وهل يبقى البناء بدون عمود؟! وهل يبقى البيت بدون سقف؟! وهل تتحرك السيارة بدون وقود؟! قال -عليه الصلاة والسلام- عن الصلاة: (( رأس هذا الإسلام وعموده الصلاة ...))().
صلاة الخوف شرعت في وقت الخوف, والرعب, وفي وقت الشدة, يوم أن تتطاير الرؤوس من الأجساد, ويوم أن تسيل الدماء من العروق, يوم لا ترى إلا سيوف تلمع, ورؤوس تُقطع, وجماجم تتطاير, وأجساد تتناثر, فيُلجأ إلى الصلاة سكينة الحائرين, وأمان الخائفين, وتثبيتا للمؤمنين{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ}().
الله –تعالى- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ}()إذا داهمك الخوف, وطوقك الحزن، وأخذ الهمُّ بتلابيبك، فقم حالا إلى الصلاة، تثب لك روحك، وتطمئن نفسك، إن الصلاة كفيلة -بإذن الله- باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم، ومطاردة فلول الاكتئاب.
كان -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر قال: ((أرحنا بالصلاة يا بلال))() فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته.
قال ابن القيم: وقرة العين فوق المحبة, فإنه ليس كل محبوب تقر به العين, وإنما تقر العين بأعلى المحبوبات, والمقصود أن ما تقر به العين, أعلى من مجرد ما يحبه, فالصلاة قرة عيون المحبين في هذه الدنيا لما فيها من مناجاة من لا تقر العيون ولا تطمئن القلوب ولا تسكن النفوس إلا إليه, والتنعم بذكره, والتذلل والخضوع له, والقرب منه, ولا سيما في حال السجود, وتلك الحال أقرب ما يكون العبد من ربه فيها, ومن هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: يا بلال أرحنا بالصلاة. فأعلم بذلك أن راحته -صلى الله عليه وسلم- في الصلاة, كما أخبر أن قرة عينه فيها, فأين هذا من قول القائل: نصلي ونستريح من الصلاة!؟.
فالمحب راحته وقرة عينه في الصلاة, والغافل المعرض ليس له نصيب من ذلك؛ بل الصلاة كبيرة شاقة عليه, إذا قام فيها كأنه على الجمر, حتى يتخلص منها, وأحب الصلاة إليه أعجلها وأسرعها, فإنه ليس له قرة عين فيها, ولا لقلبه راحة بها, والعبد إذا قرت عينه بشيء واستراح قلبه به, فأشق ما عليه مفارقته, والمتكلف الفارغ القلب من الله والدار الآخرة المبتلى بمحبة الدنيا, أشق ما عليه الصلاة, وأكره ما إليه طولها, مع تفرغه وصحته وعدم اشتغاله().
إن الذي لا يعرف الصلاة كمن يمشي في الظلام, يتلمس ضوء يسيرا ليرى أين يضع قدميه, وكالأعمى الذي يتحسس الطريق, وكالميت الذي انقطعت عنه الحياة. فكذلك الذي لا يصلي عيشته نكدة مظلمة, كلها أحزان, وهموم, وغموم, ومخاوف, وظلام{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ}().
إن الذي لا يعرف الصلاة في المسجد كالذي يرى الماء ولا يستطيع أن يصل إليه, فعيشته نكد في نكد, وكبد في كبد, وحزن في حزن, وخسارة في خسارة, وشقاء في شقاء{فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}().
الصلاة تريح الأعصاب, وتسكن الآلام, وتداوي العلل, وتريح القلب, وتنمي العقل, وتشرح الصدر, وتحرك الدم, وتبيض الوجه وتنوره, وتزيل قشرات الهموم, وتكسر شوكة الأحزان((الصلاة نور))(), فإذا شعرت بشيء من الهمّ والغمّ والاكتئاب؛ راجع حساباتك مع الصلاة, وعد بنفسك إلى محطات النور.