السعداء لا يعلمون الغيب, ولكنهم ينظرون إلى مستقبل حياتهم بعين التفاؤل, وترك اليأس والقنوط، والمثابرة على حسن الظن وحسن العمل.
السعداء ينظرون إلى الدنيا وهم يعلمون أنها محزنة وتعيسة, ولكنهم ينظرون إليها بعين التفاؤل وعدم القنوط, يفتحون فيها دروب السعادة, دروب الفرح, دروب الخير, ويكسرون فيها أشواك القنوط, أشواك الحزن, أشواك التعاسة, أشواك الكآبة, أشواك الكدر.
إن داهمتهم رياح الهموم؛ ذرتها تقواهم بفأل اليسر{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}().
إن تزلزت بهم براكين المصائب؛ نالوا منها بفأل الصبر{أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً}().
إن تغلّقت عليهم أبواب الرزق؛ فتحوها بفأل التوكل{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا}().
إن شعروا بالهجوم العدواني؛ تخلصوا منه بفأل النصر{ألَا إنَّ نَصْرَ اللهٍ قَرِيْب}().
إن تعسرت عليهم الأمور, وصعبت عليهم الغايات؛ سهلوها بفأل الخير من الله{سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا}().
إن ظُلموا, إن جُرحوا, إن أُوذوا؛ دفعوا ذلك بفأل أجر الإحسان{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}().
هذه هي صفاتهم, وهذه هي أحوالهم, وهذا سرُّ سعادتهم, لا ينظرون إلى السعادة بعين القنوط, ولا بعين السأم, ولا بعين الضجر, حالهم كحال موسى{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين}().
حالهم كحال يعقوب{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}().
وحالهم كحال المصطفى -عليه الصلاة والسلام-, يتفاءل حتى وإن كان في أشد الحرج والضيق, حتى وإن كان في ساعة العسرة, حتى وإن كان في وقت الأزمة, وفي وقت المؤامرة, وفي وقت البلاء يقول: (( لا! ولكن أرجو من الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا ))(), ويقول في وقت يأس فيه أبا بكر –الصديق- في الغار: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}().
فيا حبيبي! ويا أخي! تفاءل بالخير, تفاءل بالسعادة, وإياك والشؤم, فإنه طريق أهلك صاحبه, وكان رسولك وقدوتك يقول: (( ويعجبني الفال ))().
فإن من خلق الإنسان الناجح التفاؤل، وعدم اليأس، والقدرة على تلافي الأخطاء، والخروج من الأزمات، وتحويل الخسائر إلى أرباح.
تفاءل ولا تقنط ولا تيأس، وأحسن ظنك بربك، وانتظر منه كل خيرٍ وجميل.
الأخيار السعداء لا يهابون الموت؛ لأنهم يتفاءلون بالخير الذي يأتي بعد الموت{فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ}().
أبو الدرداءِ يقولُ: أُحبّ ثلاثاً يكرهها الناس: أحبُّ الفقر والمرضَ والموْتَ، لأنّ الفقر مسكنة، والمرضَ كفَّرةٌ، والموت لقاءٌ بالله -عز وجل-.
فالموتُ أحبَّه كثيرٌ ورحَّبوا بهِ، فمعاذ يقول: مرحباً بالموت، حبيبٌ جاء على فاقة، أفلح من ندم.
ويقول في ذلك الحُصين بن الحمام:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجدْ ... لنفسي حياةً مثْل أن أتقدَّمَا.
ويقول الآخر: لا بأس بالموتِ إذا الموتُ نزلْ.
ولكنَّ الآخرين تذمَّرُوا من الموتِ وسبُّوه وفرُّوا منهُ.
فاليهود أحرص الناسِ على حياة، قال الله –تعالى- عنهمْ: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ}.
وقال بعضُهم:
ومالي بعد هذا العيشِ عيشٌ ... ومالي بعد هذا الرأسِ رأسُ().
كثيرٌ من الأخيار تفاءلوا بالأمر الشاقِّ العسير، ورأوا في ذلك خيراً على المنهجٍ الحقِّ{وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ}().