إن مما يزيل داء أسقام الهموم والأحزان والاكتئاب هو ثقة العبد بربه، وتوكله على مولاه وخالقه، وتفويض الأمر إليه، وحسن الظن به، وانتظار لطفه وفرجه.
فرسالتي لكل مصاب مهموم، ولكل مبتلى حزين، ولكل مجروح متألم، إحسان الثقة بالله، فمن وثق بالله كفاه الله كل شرّ، ومن فوّض الأمر إلى الله أبعد عنه كل بلاء{فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا}(). انظر إلى الواثقين بالله في ساعة الصفر، وفي وقت الشدائد، وفي دقيقة الهلاك، كيف أغاثهم بنصر حليف، وتفريج سريع، وفعل أمر مستحيل.
هذا إبراهيم الخليل للجليل في ساعة الصفر قيل أن جبريل أتاه وهو في النار فقال: يا إبراهيم ألك مساعده? فقال صاحب الثقة: أما منك فلا!!. وأما من الله فنعم!!. فجعل الله له النار بردا وسلاما().
وهذا موسى في ساعة حرجة، فرعون وجنوده خلفه، والبحر بأمواجه أمامه، والموت قريب منه، والقوم يصيحون إنا لمدركون، فقال في لسان واثق بموعود الفرج من الله: إن معي ربي سيهدين، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر. وماذا عساها أن تفعل العصا أمام أمواج البحر المتلاطمة? ولكنها قدرة الله، ولطف الله قريب من الواثقين بفرجه، وفي بضع ثواني ينقسم البحر إلى شطرين وبينهما طريق الفرج لموسى وقومه..
وهذا خير الواثقين بموعود الرب -جلّ جلاله-، في وقت من أشد الأوقات التي لاقاها -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام-، يطارده القوم فيلجأ إلى كهف يتحصن فيه واثقا نصر الله له, وإذ بالقوم يحيطوا بهذا الغار ليقتلوا خير بشر على وجه الكرة الأرضية، ليطفئوا هذا النور، ليقضوا على سعادة الأمة, ولكن هيهات هيهات أن ينالوا من هذا الشجاع المقدام, الواثق بربه المتوكل عليه، فيصيح أبا بكر: يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لأبصرنا!!. فيقول بابتسامة وهدوء وطمأنينة وسكينة: لا تحزن! إن الله معنا. فأعمى الله أبصار القوم، وخرجوا سالمين..
عجيب والله أمر أهل الثقة بالله!! تراهم عند المصائب مبتسمون، وعند الشدائد أقوياء، وعند البلايا مستعدون، وعند الامتحان جاهزون، وعند المحن راضون، وعند الآلام والجراحات صامتون، إن أصابهم خير شكروا، وإن أصابهم بلاء صبروا، ففي كل الأحوال هم سعداء{أُولِئكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحَمةٌ وَأُولئِكَ هُمْ المُهْتَدُونَ}(). أما أولئك الجبناء، ضعيفو القلب والإرادة، قليلو الثقة والتوكل، إن أصابتهم مصيبة صاحوا وطاحوا وجعلوا المصيبة مصيبتين، فماتوا قبل الموت..
فهذا حال الأشقياء, وذاك حال السعداء, وأنت اختار أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا..
إن على الجيل الذين عصفت بهم عواصف البلايا: حسن الظن بالله، والثقة العمياء بمولاه، فإن الله لا يختار له إلا ما هو صالح له، ﻭﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﺣﺴﻦ اﺧﺘﻴﺎﺭ اﻟﻠﻪ ﻟﻌﺒﺪﻩ ﻫﺎﻧﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ، ﻭﺳﻬﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﻤﺼﺎﻋﺐ، ﻭﺗﻮﻗﻊ اﻟﻠﻄﻒ ﻣﻦ اﻟﻠﻪ، ﻭاﺳﺘﺒﺸﺮ ﺑﻤﺎ ﺣﺼﻞ، ﺛﻘﺔ ﺑﻟﻄﻒ اﻟﻠﻪ ﻭﻛﺮﻣﻪ، ﻭﺣﺴﻦ اﺧﺘﻴﺎﺭﻩ، ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻳﺬﻫﺐ ﺣﺰﻧﻪ ﻭﺿﺠﺮﻩ ﻭﺿﻴﻖ ﺻﺪﺭﻩ, ﻭﻳﺴﻠﻢ اﻷﻣﺮ ﻟﺮﺑﻪ ﺟﻞ ﻓﻲ ﻋﻼﻩ، ﻓﻼ ﻳﺘﺴﺨﻂ ﻭﻻ ﻳﻌﺘﺮﺽ، ﻭﻻ ﻳﺘﺬﻣﺮ، ﺑﻞ ﻳﺸﻜﺮ ﻭﻳﺼﺒﺮ، ﺣﺘﻰ ﺗﻠﻮﺡ ﻟﻪ اﻟﻌﻮاﻗﺐ، ﻭﺗﻨﻘﺸﻊ ﻋﻨﻪ ﺳﺤﺐ اﻟﻤﺼﺎﺋﺐ.
ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺣﺎﻝ ﻛﻦ ﺑﺮﺑﻚ ﻭاﺛﻘﺎ... ﺑﻨﻔﻊ ﻭﻛﺸﻒ اﻟﻀﺮ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺨﺎﻭﻑ..