حضرت في ملتقى دعوي للدعاة والخطباء وفي ذلك اليوم جاءنا المدرب المعروف: محمد نزار محمد, فأعطانا درس في الاتصال الفعال فكان مما قال: أعطيكم فائدة احفظوها عني: اجبروا خواطر الناس يجبر الله خواطركم.
فأحببت أن أجعل هذا درب من دورب السعادة..
فجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم, يدل على سمو نفس، وعظمة قلب، وسلامة صدر، ورجاحة عقل، ونبل محتد، وكرامة أصل، وأصالة معدن, وشهامة مقدرة, ورجولة مباركة، فتطييب النفوس المنكسرة, وجبر الخواطر, من أعظم أسباب الألفة والمحبة بين الناس، وهو أدب إسلامي رفيع، وخلق عظيم, لا يتخلق به إلا أصحاب النفوس النبيلة، وأصحاب المقامات العالية..
تعلم جبر الخواطر مع الناس، الكلمة الطيبة جبر خاطر.. الابتسامة في وجوه الناس جبر خاطر.. تمد يديك للناس جبر خاطر.. تواسيهم وتهنيهم وتساعدهم جبر خاطر.. تزرهم وتدخل السعادة في قلوبهم جبر خاطر..
فالدهر ذو تصاريف عجيبة، وتقلبات غريبة، منها ما يَسُر المرء ويفرح، وما يحزنه ويترح، وكل واحد منا معرض للهموم والغموم والأحزان والمصائب والبلاوي، وأنت في كل ذلك بحاجة إلى من يأخذ بيدك ويجبر بخاطرك ويمسح عن قلبك غاشية الحزن, ويرفع عن صدرك جاثمات الكرب..
وما أروع وأنت في غمرة الحزن, أن تمتد إليك يد تسعفك، أو تسبق إلى أذنك كلمة تشد من إزرك وتسعدك، وتهون من أمر المصيبة وتنجدك، فتقف على رجليك مرة أخرى, وتنهض قائماً وتتابع سيرك في هذه الحياة..
وكثير من لحظات الحياة تمر وتنقضي, وتمسح من الذاكرة وتنمحي، ولا يبقى في الذاكرة، ولا يثبت في جدرانها, إلا أسماء أولئك الذين وقفوا معك وأنجدوك, وجبروا خاطرك وأسعفوك، وزاروك وواسوك، وأفرحوك وأسعدوك.
جبر الخواطر يعني فيما يعنيه تثبيت الآخرين, ورفع همتهم, وتهوين مصيبتهم, وإقالة عثرتهم, والأخذ بأيديهم, حتى يقف الواحد منهم على قدمه، فإن فعلت فأبشر بجبر الله لخاطرك، ووقوفه بجانبك في ساعة حرجة لا تستطيع التفلت منها إلا بمساعدة الواحد الديان جلّ في علاه..
سمعت لأحد الدعاة خطبة جمعة ألقاها فكان مما قال فيها: أن أحد الدعاة الصالحين أوصى دكتورا فقال: إن أجمل ما يحبه الله من الناس جبر الخواطر!. فذهب هذا الدكتور وفي نفس الوقت لقي رجلا فقال له الرجل: يا دكتور! إن حماتي في المستشفى أرجوك تساعدها جبر خاطر. قال الدكتور: فتذكرتُ كلام الداعية فقلت لعله جبر خاطر يحبه الله، فذهبت إلى المستشفى لأجبر خاطر تلك المرأة، وبينما أنا ذاهب حسيت بأزمة قلبية فعلمت أنها جلطة قلبية فأسرعت إلى الطبيب وقلت له: اعطني حقنة كذا وكذا... فقال له الطبيب بعد إجراء الفحوصات: والله لو كنت تأخرت خمسة دقائق كانت الجلطة تنهيك، ولكن الحمد لله فقد أسرعت. فقال هذا الدكتور: يا طبيب! والله ما جاء بي إلا أني أريد جبر خاطر امرأة فجبر الله خاطري.
سبحان الله! ما جاء به إلا جبر خاطر هذه المرأة فجبر الله خاطره وردّ الجلطة عنه بعد أن كانت ستنهيه.
هذا سيد البشرية، والعظيم في هذه الصفة العظيمة, يُطرد من مكة, فيلجأ إلى الطائف لعلهم يجبروا خاطره، فوجد منهم أشد الإيذاء والسب والشتم، فجلس يستظل تحت شجرة وإذ برب العالمين يريد أن يجبر خاطره فيرسل له ملك الجبال، فيقول ملك الجبال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين -وهما جبلان يحيطان بمكة-، فقال صاحب الخلق الرفيع, والقلب الرحيم, والذي نفديه بأمهاتنا وأباءنا وأرواحنا، والذي لا يهمه أن يجبر الله خاطره, بل الذي يهمه أن يجبر خاطر أمته فقال: ((لا تفعل إني أريد أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئا))().
تعلموا جبر الخواطر يجبر الله خواطركم، ولا تنسوا أنه من سار بين الناس بجبر الخواطر, أدركه الله في جوف المخاطر، وصنائع المعروف تقي مصارع السوء، ومن زرع جبر الخواطر للناس حصد ثمارها من رب الناس.
فوصيتي لك وللجميع: طيبوا الخواطر بما استطعتم، ولا تدخروا في ذلك جهداً، لأن ذلك فيه شعور بالسعادة، وفيه فتح لباب البر والإحسان..
فما أجمل أن نواسي من حولنا، ونجبر خواطرهم، وخاصة عند حدوث المحن والكروب، نقف إلى جانبهم، ونمد لهم يد العون، بكلمات طيبة، وبسمات شافقة، لعل الله يجبر خواطرنا، ويديم علينا النعم، ويجزينا المزيد.