العلم ميراث الأنبياء, وهو نور السعداء, وأمان الخائفين الوجلاء, وزينة الرجال النبلاء, الحمقاء لا يشعرون, الجهلاء لا يدركون{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}().
علم الدنيا الفاني لا يسعد, ولا يغني من جوع الحزن, ولا يسقي ظمأ الكدر والخاطر, لا تسعدك الشهادات العلياء في الجامعات, ولا تفرحك الرتب العلياء في المعسكرات, فذلك علم خاص بالحزن, خاص بالهموم, خاص باليأس, خاص بالبلاء والمحن{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}().
العلم أسعد ابن تيمية وهو في سجن البلاء, فتغيرت ظلمة السجن إلى نور, وضيقه إلى فسحة وسرور, حتى من شدة فرحة قال وهو في سجنه: ماذا يفعل أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى سرت فهي معي، إن قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة وسجني خلوة..
فالحمد لله الذي فتح لعباده باباً إلى جنته، فأتاهم من ريحها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها، وهم ما يزالون في دار العمل، فـشيخ الإسلام تجاوز الستين سنة وما وجد حياة الاستقرار حتى يتزوج؛ لأنه كان من سجن إلى سجن، ومن معركة إلى معركة، ومن مناظرة إلى مناظرة، وما سعى يوماً لأن يتزوج زوجة حسناء، أو يملك سرية حوراء، ولا داراً قوراء، ولا سعى خلف دينار ولا درهم(), لأنه كان مشغول بمدار العلم.
العلم أسعد يوسف وهو في سجن البلاء, وفي وحشة الغربة, وفي عذاب الفراق, فتغيرت أحواله وأصبح عزيز مصر, المال بين يديه, وأهله يأتون إليه, بعد إن كان في سجن البلاء والفراق والبعد والوحشة. فسبحان الله يا لها من سعادة.
العلم سخر كل شيء لسليمان وأفرحه, الجن والإنس والطير والوحوش والريح تجري بأمره حيث أصاب.
العلم جعل محمدا في أشد البلايا والمحن, مسرورا سعيدا متمتعا بحياة السعادة والسرور والأفراح{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}().
الدنيا لهيب النار والعلم يطفئها, الدنيا محطات الدموع والعلم يغسلها, الدنيا قلوب الهموم والأحزان والعلم يسعدها, الدنيا ظلام في ظلام إلا مجالس العلم تنوّرها, الدنيا غابات الخوف والرعب والعلم يأمّنها ويطمئنها(( وما قعد قوم في بيوت من بيوت الله يتذاكرون آياته إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله في من عنده )) ().
اطلب علم الآخرة لتسعد في الدنيا, ولا تركن إلى الدنيا فهي زائلة, وعلمها زائل, وخيرها قاصر, وشرها نازل, ولذتها فانية, وحلاوتها مريرة.
العلم جليسك الصالح, وأنيسك الفالح, وصديقك الرابح, فاغتنمه لتصلح, وتفلح, وتربح.
لا حياة بدون علم, ولا سعادة بدون علم, ولا طعم للعيش بدون علم.
أهل الدنيا لا يحسون بالعافية, ولا يشعرون بالراحة, ولا تطمئن قلوبهم, يتلمسون مواطن السعادة, وانشراح الصدر, وسلامة القلب, وسعة العيش, فلا يجدونها وهم بلا علم{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}().