الأشقياء لا يسعدون ولا يفرحون, حتى نومهم في ضيق وكرب وتعاسة, ينامون على فراشهم والجبال مطروحة على ظهورهم لا ينامون فينسون ثقل الجبال, ولا يطرحون الجبال فينامون, إن تأخرت الأمطار يثارون, وإن غلت الأسعار يصيحون, وإن انخفض الريال يضجون, وإن نظروا في التلفاز مع الأخبار يتفاعلون, شغلهم الشاغل الذي أنتج لهم الهموم والغموم هو: ماذا حصل هناك؟ وكم صرف الدولار؟ وكم سعر الدقيق والسكر؟ فهم في ضيق من تكرار هذه الأسئلة, وفي مشكلة من مداولة هذه الأسئلة, فلو أنهم تركوا الأمر لله لأصلح لهم أُمورهم, ولو أنهم تركوا ما لا ينفع السؤال عنه لكان أفضل لهم وأسعد لقلوبهم{لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}().
هذه حالتهم وهم في فرش النوم وتدور في قلوبهم حرب عالمية شبيهة بالحروب الأولى, فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة المعدة، وضغط الدم والسكري, يحترقون مع الأحداث، يغضبون من غلاء الأسعار، يثورون لتأخر الأمطار، يضجون لانخفاض سعر العملة، فهم في انزعاج دائم، وقلق واصب{يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}() يموتون قبل الموت, وينتظرون كل مصيبة, ويتوقعون كل كارثة, ويخافون من كل صوت وخيال وحركة؛ لأن قلوبهم هواء ونفوسهم ممزقة.
وأقول لك يا من تطالع الآن كتابي هذا: حذاري ثم حذاري تكن كهؤلاء تحمل على ظهرك الجبال, وظهرك لا طاقة له على حملها, ولا تحمل في قلبك همّ الحرب التي تحدث الآن, لأن لك خيارين لا ثالث لهما: إما أن تترك التفكير بما يحدث, وتدعو الله أن يثبت إخوانك وينصرهم على أعدائهم, وتتفاءل بالنصر لهم والتمكين من الله –تعالى-, أو تخلّص نفسك من الهموم والغموم وتذهب للمجاهدة مع إخوانك{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}().
إن بعض الناس عنده قلب كالإسفنجة يتشرب الشائعات والأراجيف، ينزعج للتوافه، يهتز للواردات، يضطرب لكل شيء، وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه، وأن يهدم كيان حامله.
أنصحك -يا أخي- كن شجاعا مقداما, ولا تضرك التوافه والزوابل, وليكن قلبك مثل الصخور الجلفة الضخمة, لا يهمها غلا الأسعار, ولا ارتفاع الدولار, ولا انخفاض العملة, ولا صوت صواريخ الطائرة, فإن المقدام الباسل الشجاع واسع البطان، ثابت الجأش، راسخ اليقين، بارد الأعصاب، منشرح الصدر، أما الجبان فهو يذبح نفسه كل يوم مرات بسيف التوقعات والأراجيف والأوهام والأحلام, وأسوأ الكلام: [قالوا كذا وكذا].