ﺇﻥ ﻣﻦ اﻟﻌﻮاﻣﻞ اﻟﻘﻮﻳﺔ ﻓﻲ ﺟﻠﺐ ﺃﺭﻭاﺡ اﻟﻨﺎﺱ ﺇﻟﻴﻚ: الرﻓﻖ؛ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻳﻘﻮﻝ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ-: ((ﻣﺎ ﻛﺎﻥ الرﻓﻖ ﻓﻲ ﺷﻲء ﺇﻻ ﺯاﻧﻪ، ﻭﻣﺎ ﻧﺰﻉ ﻣﻦ ﺷﻲء ﺇﻻ ﺷﺎﻧﻪ))().
ﻭﻳﻘﻮﻝ: ((ﻣﻦ ﻳﺤﺮﻡ الرﻓﻖ، ﻳﺤﺮﻡ اﻟﺨﻴﺮ ﻛﻠﻪ)) ().
ﻗﺎﻝ ﺃﺣﺪ اﻟﺤﻜﻤﺎء: الرﻓﻖ ﻳﺨﺮﺝ اﻟﺤﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺤﺮﻫﺎ.
ﻗﺎﻝ اﻟﻐﺮﺑﻴﻮﻥ: اﺟﻦ اﻟﻌﺴﻞ، ﻭﻻ ﺗﻜﺴﺮ اﻟﺨﻠﻴﺔ().
ﻭﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ: ((اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻛﺎﻟﻨﺤﻠﺔ ﺗﺄﻛﻞ ﻃﻴﺒﺎ، ﻭﺗﻀﻊ ﻃﻴﺒﺎ، ﻭﺇﺫا ﻭﻗﻌﺖ ﻋﻠﻰ ﻋﻮﺩ، ﻟﻢ ﺗﻜﺴﺮﻩ))().
ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺗﺮﺑﻮﻳﺔ بين العصفور والنحلة، ﻓﺎﻟﻨﺤﻠﺔ ﻻ ﺗﺤﺲ ﺑﻬﺎ اﻟﺰﻫﺮﺓ ﺃﺑﺪا، ﻭﻫﻲ ﺗﻌﻠﻖ اﻟﺮﺣﻴﻖ ﺑﻬﺪﻭء، ﻭﺗﻨﺎﻝ ﻣﻄﻠﻮﺑﻬﺎ ﺑﺭﻓﻖ. ﻭاﻟﻌﺼﻔﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﺿﺂﻟﺔ ﺟﺴﻤﻪ ﻳﺨﺒﺮ اﻟﻨﺎﺱ ﺑﻨﺰﻭﻟﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﻨﺎﺑﻞ، ﻓﺈﺫا ﺃﺭاﺩ اﻟﻨﺰﻭﻝ ﺳﻘﻂ ﺳﻘﻮﻃﺎ، ﻭﻭﺛﺐ ﻭﺛﺒﺎ.
وهذا المقياس يقاس بها تعامل البشر، فالبعض كالنحلة يسرق القلوب ويأسرها ويجذبها، فتراه محبوبا عند الخلق، لا يصعب عليه قلب حجري إلا فتحه؛ لأنه يمتلك مفتاح القلوب المستعصية بالرفق الذي ما كان في شيء إلا زانه، والبعض كالعصفور تنفر القلوب منه وكأنه أفعى ينفث سمه فيها، لأنه لا يمتلك مفتاح القلوب برفقه..
ﺩﺧﻞ ﻭاﻋﻆ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺄﻣﻮﻥ ﻓﻮﻋﻈﻪ ﻭأﻏﻠﻆ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ اﻟﻘﻮﻝ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻪ اﻟﻤﺄﻣﻮﻥ: ﻳﺎ ﺭﺟﻞ! اﺭﻓﻖ ﻓﺈﻥ اﻟﻠﻪ ﺑﻌﺚ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺧﻴﺮ ﻣﻨﻚ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻫﻮ ﺷﺮ ﻣﻨﻲ، ﻭﺃﻣﺮﻩ ﺑاﻟﺮﻓﻖ. ﺑﻌﺚ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﻫﺎﺭﻭﻥ ﺇﻟﻰ ﻓﺮﻋﻮﻥ، ﻓﺄﻭﺻﺎﻫﻤﺎ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا}()().
وﻳﻤﺮ ﺃﺣﺪ اﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﺑﻘﺮﻳﺔ ﻳﺪﻋﻮﻫﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ اﻟﻬﺪﻯ، ﻓﻴﺴﺒﻮﻧﻪ ﻭﻳﺸﺘﻤﻮﻧﻪ، ﻓﻴﺪﻋﻮ ﻟﻬﻢ ﺑﺎﻟﺼﻼﺡ ﻭاﻟﻬﺪاﻳﺔ، ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺻﺤﺎﺑﻪ: ﺗﺪﻋﻮ ﻟﻬﻢ ﻭﻫﻢ ﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﺑﻚ ﺷﺮا، ﻭﺗﺮﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺧﻴﺮا؟! ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺳﻤﻮ ﺧﻠﻖ، ﻭﺭﻗﺔ ﻧﻔﺲ، ﻭﺳﻌﺔ ﺻﺪﺭ: ﻛﻞٌّ ﻳﻨﻔﻖ ﻣﻤﺎ ﻋﻨﺪﻩ.
ﺇﻥ ﻛﺮﻳﻢ اﻷﺻﻞ ﻛﺎﻟﻐﺼﻦ ﻛﻠﻤﺎ اﺯﺩاﺩ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ ﺗﻮاﺿﻊ ﻭاﻧﺤﻨﻰ..
ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺎﺑﻐﺔ:
اﻟﺮﻓﻖ ﻳﻤﻦ ﻭاﻷﻧﺎﺓ ﺳﻌﺎﺩﺓ ... ﻓﺘﺄﻥ ﻓﻲ ﺭﻓﻖ ﺗﻼﻕ ﻧﺠﺎﺣﺎ()..
لقد رأيتُ أصحاب بقالتين متجاورين الأول كان لا يجيد فنّ الرفق بالآخرين وكسب قلوبهم، والبسمة في وجوههم، وتقدير مشاعرهم، أما الثاني فكان رفيقا بهم متبسما في وجوههم، مازحا معهم، يقدر المحتاج, ويصبر على المضطر، ويتحمل الإساءة..
فماذا كانت النتيجة? صاحب الرفق جذب الناس إليه واستطاع أن يقوي تجارته بحسن تعامله مع الناس وزرع في قلوبهم حُبّه, وحب تجارته, ودعوة الناس له بالخير, ومدحهم له, ووصفهم له, لأنه يستحق ذلك..
أما الآخر فنفرت القلوب منه, وأصبح يُضرب به المثل في القسوة والطيش والعجلة, لأنه لا يجيد أداة الرفق للغوص في قلوب البشرية المفطورة على حبّ من أحسن إليها..
اﻟﺮﻓﻖ ﺃﻳﻤﻦ ﺷﻲء ﺃﻧﺖ ﺗﺘﺒﻌﻪ ... ﻭاﻟﺨﺮﻕ ﺃﺷﺄﻡ ﺷﻲء ﻳﻘﺪﻡ اﻟﺮﺟﻼ
ﻭﺫﻭ اﻟﺘﺜﺒﺖ ﻣﻦ ﺣﻤﺪ ﺇﻟﻰ ﻇﻔﺮ ... ﻣﻦ ﻳﺮﻛﺐ اﻟﺮﻓﻖ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻘﺐ اﻟﺰﻟﻻ..
ﻭﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﻌﻠﻢ ﺃﻥ اﻟﻄﺮﻳﻖ اﻟﻀﻴﻖ ﺑﻴﻦ ﺟﺪاﺭﻳﻦ، اﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺘﺴﻊ ﺇﻻ ﻟﻤﺮﻭﺭ ﺳﻴﺎﺭﺓ ﻭاﺣﺪﺓ ﻓﺤﺴﺐ، ﻻ ﺗﺪﺧﻠﻬﺎ ﻫﺬﻩ اﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﺇﻻ ﺑﺭﻓﻖ ﻣﻦ ﻗﺎﺋﺪﻫﺎ ﻭﺣﺬﺭ ﻭﺗﻮﻕ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻟﻮ ﺃﻗﺒﻞ ﺑﻬﺎ ﻣﺴﺮﻋﺎ ﻭﺃﺭاﺩ اﻟﻤﺮﻭﺭ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﻜﺎﻥ اﻟﻀﻴﻖ ﻻﺻﻄﺪﻡ ﻳﻤﻨﺔ ﻭﻳﺴﺮﺓ ﻭﺗﻌﻄﻠﺖ ﺳﻴﺎﺭﺗﻪ، ﻭاﻟﻄﺮﻳﻖ ﻟﻢ ﻳﺰﺩ ﻭﻟﻢ ﻳﻨﻘﺺ، ﻭاﻟﺴﻴﺎﺭﺓ ﻫﻲ ﻫﻲ، ﻟﻜﻦ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﻫﻲ اﻟﺘﻲ اﺧﺘﻠﻔﺖ، ﺗﻠﻚ ﺑﺭﻓﻖ ﻭﻫﺬﻩ ﺑﺸﺪﺓ. ﻭاﻟﺸﺠﺮﺓ اﻟﺼﻐﻴﺮﺓ اﻟﺘﻲ ﻧﻐﺮﺳﻬﺎ ﻓﻲ ﺣﻮﺽ ﻓﻨﺎء ﺃﺣﺪﻧﺎ، ﺇﺫا ﺳﻜﺒﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ اﻟﻤﺎء ﺷﻴﺌﺎ ﻓﺸﻴﺌﺎ ﺗﺸﺮﺏ ﻣﻨﻪ ﻭﻳﻨﻔﻌﻬﺎ، ﻓﺈﺫا ﺃﺧﺬﺕ ﻛﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﻫﺬا اﻟﻤﺎء ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻭﺣﺠﻤﻪ ﻭﺃﻟﻘﻴﺘﻪ ﺩﻓﻌﺔ ﻭاﺣﺪﺓ ﻻﻗﺘﻠﻌﺖ ﻫﺬﻩ اﻟﻨﺒﺘﺔ ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻧﻬﺎ، ﺇﻥ ﻛﻤﻴﺔ اﻟﻤﺎء ﻭاﺣﺪﺓ ﻭﻟﻜﻦ اﻷﺳﻠﻮﺏ ﺗﻐﻴﺮ.
ﻓاﻟﺮﻓﻖ ﻓﻲ اﻷﻣﻮﺭ ﺛﻤﺮﺓ ﻻ ﻳﺜﻤﺮﻫﺎ ﺇﻻ ﺣﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ، ﻭﻻ ﻳﺤﺴﻦ اﻟﺨﻠﻖ ﺇﻻ ﺑﻀﺒﻂ ﻗﻮﺓ اﻟﻐﻀﺐ ﻭﻗﻮﺓ اﻟﺸﻬﻮﺓ ﻭﺣﻔﻈﻬﻤﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺪ اﻻﻋﺘﺪاﻝ. ﻭﻷﺟﻞ ﻫﺬا ﺃﺛﻨﻰ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ - ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻓﻖ ﻓﻘﺎﻝ: ((ﺇﻧﻪ ﻣﻦ ﺃﻋﻄﻲ ﺣﻈﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﻓﻖ ﻓﻘﺪ ﺃﻋﻄﻲ ﺣﻈﻪ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻵﺧﺮﺓ ﻭﻣﻦ ﺣﺮﻡ ﺣﻈﻪ ﻣﻦ اﻟﺮﻓﻖ ﻓﻘﺪ ﺣﺮﻡ ﺣﻈﻪ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭالآخرة))() ﻭﻗﺎﻝ: ((إﺫا ﺃﺣﺐ اﻟﻠﻪ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺖ ﺃﺩﺧﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ اﻟﺮﻓﻖ))(). ﻭﻗﺎﻝ: ((ﺇﻥ اﻟﻠﻪ ﻟﻴﻌﻄﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺮﻓﻖ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻌﻄﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﺮﻕ ﻭﺇﺫا ﺃﺣﺐ اﻟﻠﻪ ﻋﺒﺪا ﺃﻋﻄﺎﻩ اﻟﺮﻓﻖ ﻭﻣﺎ ﻣﻦ ﺃﻫﻞ ﺑﻴﺖ ﻳﺤﺮﻣﻮﻥ اﻟﺮﻓﻖ ﺇﻻ ﺣﺮﻣﻮا ﻣﺤﺒﺔ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ))().
فلن تستطيع كسب القلوب، وفعل الأمور المستحيلة، حتى العبادات تحتاج منك إلى رفق.
ومن كان طبعه رفيقا رحيما رقيقا فقد اتصف بصفة من صفات الرب -جلّ جلاله- لأنه ﺭﺣﻴﻢ ﻳﺤﺐ اﻟﺮﺣﻤﺎء، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﺮﺣﻢ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ اﻟﺮﺣﻤﺎء، ﻭﻋﻔﻮ ﻳﺤﺐ ﻣﻦ ﻳﻌﻔﻮ ﻋﻨﻬﻢ، ﻭﻏﻔﻮﺭ ﻳﺤﺐ ﻣﻦ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻬﻢ، ﻭﻟﻄﻴﻒ ﻳﺤﺐ اﻟﻠﻄﻴﻒ ﻣﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ، ﻭﻳﺒﻐﺾ اﻟﻔﻆ اﻟﻐﻠﻴﻆ اﻟﻘﺎﺳﻲ اﻟﺠﻌﻈﺮﻱ اﻟﺠﻮاﻅ، ﻭﺭﻓﻴﻖ ﻳﺤﺐ اﻟﺮﻓﻖ، ﻭﺣﻠﻴﻢ ﻳﺤﺐ اﻟﺤﻠﻢ، ﻭﺑﺮ ﻳﺤﺐ اﻟﺒﺮ ﻭﺃﻫﻠﻪ، ﻭﻋﺪﻝ ﻳﺤﺐ اﻟﻌﺪﻝ، ﻭﻗﺎﺑﻞ اﻟﻤﻌﺎﺫﻳﺮ ﻳﺤﺐ ﻣﻦ ﻳﻘﺒﻞ ﻣﻌﺎﺫﻳﺮ ﻋﺒﺎﺩﻩ، ﻭﻳﺠﺎﺯﻱ ﻋﺒﺪﻩ ﺑﺤﺴﺐ ﻫﺬﻩ اﻟﺼﻔﺎﺕ ﻓﻴﻪ ﻭﺟﻮﺩا ﻭﻋﺪﻣﺎ، ﻓﻤﻦ ﻋﻔﺎ ﻋﻔﺎ ﻋﻨﻪ, ﻭﻣﻦ ﻏﻔﺮ ﻏﻔﺮ ﻟﻪ, ﻭﻣﻦ ﺳﺎﻣﺢ ﺳﺎﻣﺤﻪ, ﻭﻣﻦ ﺣﺎﻗﻖ ﺣﺎﻗﻘﻪ، ﻭﻣﻦ ﺭﻓﻖ ﺑﻌﺒﺎﺩﻩ ﺭﻓﻖ ﺑﻪ، ﻭﻣﻦ ﺭﺣﻢ ﺧﻠﻘﻪ ﺭﺣﻤﻪ، ﻭﻣﻦ ﺃﺣﺴﻦ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﺃﺣﺴﻦ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻣﻦ ﺟﺎﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺟﺎﺩ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻣﻦ ﻧﻔﻌﻬﻢ ﻧﻔﻌﻪ، ﻭﻣﻦ ﺳﺘﺮﻫﻢ ﺳﺘﺮﻩ، ﻭﻣﻦ ﺻﻔﺢ ﻋﻨﻬﻢ ﺻﻔﺢ ﻋﻨﻪ، ﻭﻣﻦ ﺗﺘﺒﻊ ﻋﻮﺭﺗﻬﻢ ﺗﺘﺒﻊ ﻋﻮﺭﺗﻪ، ﻭﻣﻦ ﻫﺘﻜﻬﻢ ﻫﺘﻜﻪ ﻭﻓﻀﺤﻪ، ﻭﻣﻦ ﻣﻨﻌﻬﻢ ﺧﻴﺮﻩ ﻣﻨﻌﻪ ﺧﻴﺮﻩ، ﻭﻣﻦ ﺷﺎﻕ ﺷﺎﻕ اﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ- ﺑﻪ، ﻭﻣﻦ ﻣﻜﺮ ﻣﻜﺮ ﺑﻪ، ﻭﻣﻦ ﺧﺎﺩﻉ ﺧﺎﺩﻋﻪ، ﻭﻣﻦ ﻋﺎﻣﻞ ﺧﻠﻘﻪ ﺑﺼﻔﺔ ﻋﺎﻣﻠﻪ اﻟﻠﻪ -ﺗﻌﺎﻟﻰ- ﺑﺘﻠﻚ اﻟﺼﻔﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭاﻵﺧﺮﺓ().
ﻭﻫﻮ اﻟﺮﻓﻴﻖ ﻳﺤﺐ ﺃﻫﻞ اﻟﺮﻓﻖ ﺑﻞ ... ﻳﻌﻄﻴﻬﻢ ﺑاﻟﺮﻓﻖ ﻓﻮﻕ ﺃﻣﺎﻥ..
الرفيق بالخلق يجد رفق الله به ويجد عون الله له ويجد حب الله له{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}().
ﻓﺈﻥ اﻟﺸﺪﺓ ﺗﻔﺴﺪ ﻭﻻ ﺗﺼﻠﺢ، ﻭﺇﻥ اﻟﻌﻨﻒ ﻳﻬﺪﻡ ﻭﻻ ﻳﺒﻨﻲ، ﻓﺘﺤﺮك ﺑﺴﻼﺡ ﻣﻦ اﻟﺨﻠﻖ اﻟﻌﺬﺏ، ﻭاﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﺒﺎﻟﻐﺔ، ﻭاﻟﻤﻮﻋﻈﺔ اﻟﺤﺴﻨﺔ؛ ﻟﺘﺤﻮل اﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭاﻷﻋﻤﺎﻝ ﻭاﻟﺴﻠﻮﻙ، ﺑﻞ ﻭﻟﺘﺤﻮل اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﻛﻠﻬﺎ ﺑﻤﻨﻬﺞ ﻭﺩﻳﻦ اﻟﻠﻪ ﻛﻤﺎ ﺃﺭاﺩ اﻟﻠﻪ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ-.
سرق اليهودي درع أمير المؤمنين علي, فوﻗﻒ ﻋﻠﻲ ﺇﻟﻰ ﺟﻮاﺭ اﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﺃﻣﺎﻡ اﻟﻘﺎﺿﻲ[شريح]، ﻓﻘﺎﻝ ﺷﺮﻳﺢ ﻟـ ﻋﻠﻲ -ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ-: ﻣﺎ ﻗﻀﻴﺘﻚ؟ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻲ: اﻟﺪﺭﻉ ﺩﺭﻋﻲ ﻭﻟﻢ ﺃﺑﻊ ﻭﻟﻢ ﺃﻫﺐ.
ﻓﻨﻈﺮ ﺷﺮﻳﺢ ﺇﻟﻰ اﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﻭﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻛﻼﻡ ﻋﻠﻲ؟ ﻓﻘﺎﻝ اﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﺑﺨﺒﺚ ﻭﺩﻫﺎء: اﻟﺪﺭﻉ ﺩﺭﻋﻲ ﻭﻟﻴﺲ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻋﻨﺪﻱ ﺑﻜﺎﺫﺏ.
ﻓﻨﻈﺮ ﺷﺮﻳﺢ ﺑﻌﻈﻤﺔ ﻟـ ﻋﻠﻲ ﻭﻗﺎﻝ: ﻫﻞ ﻣﻌﻚ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻪ؟ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻤﻦ؟! ﻷﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ، ﻟﺨﻠﻴﻔﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻟﺤﺎﻛﻢ اﻟﺪﻭﻟﺔ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻏﻀﺐ ﻋﻠﻲ، ﻭﻻ ﺃﻣﺮ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎﻟﻪ ﻭﺑﺴﺠﻨﻪ..
بل ﻧﻈﺮ ﻋﻠﻲ ﺑﻤﻨﺘﻬﻰ اﻟﻐﺒﻄﺔ ﻭاﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﺎﺿﻴﻪ اﻟﻤﺴﻠﻢ اﻟﻌﺎﺩﻝ ﺇﻟﻰ ﺷﺮﻳﺢ -ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻭﺃﺭﺿﺎﻩ-، ﻭﻗﺎﻝ: ﺻﺪﻗﺖ ﻳﺎ ﺷﺮﻳﺢ ﻟﻴﺲ ﻣﻌﻲ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﺔ. ﻓﻘﻀﻰ ﺷﺮﻳﺢ ﺑﺎﻟﺪﺭﻉ ﻟﻠﻴﻬﻮﺩﻱ.
ﻭاﻧﻄﻠﻖ ﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ -ﺭﺿﻲ اﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ-، ﻭﺧﺮﺝ اﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﻟﻴﻜﻠﻢ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻫﺬا؟! ﺃﻗﻒ ﺃﻧﺎ ﻭﺃﻣﻴﺮ اﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺳﺎﺣﺔ ﻗﻀﺎء ﻭاﺣﺪﺓ، ﻭﻳﺤﻜﻢ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺑﺎﻟﺪﺭﻉ ﻟﻲ ﻭﻫﻮ ﺩﺭﻋﻪ؛ ﻷﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻘﺪﻡ اﻟﺒﻴﻨﺔ، ﻭاﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺃﺧﻼﻕ ﺃﻧﺒﻴﺎء، ﻓﻴﺮﺟﻊ اﻟﻴﻬﻮﺩﻱ ﻟﻴﻘﻒ ﺃﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﻭﺃﻣﺎﻡ ﺷﺮﻳﺢ، ﻟﻴﻘﻮﻝ: ﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﻭﺃﺷﻬﺪ ﺃﻥ ﻣﺤﻤﺪا ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻭﻳﻨﻈﺮ ﻋﻠﻲ ﻟﻠﻴﻬﻮﺩﻱ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﺃﻣﺎ ﻭﻗﺪ ﺃﺳﻠﻤﺖ ﻓﺎﻟﺪﺭﻉ ﻣﻨﻲ ﻫﺪﻳﺔ ﻟﻚ().
تأنّ أمير المؤمنين علي ورفقه كان سببا في إسلام هذا اليهودي, ولو لم يكن هناك رفق ولين لما كان أسلم هذا اليهودي..