خلق الله لكل إنسان عينين، ولكن أكثر الناس لا ينظر إلا بعين واحدة، أنت اجتاز فرصة النظر في الحياة بعينين فإن داهمك الحزن, وأغرقك الهمُّ, ونال منك الكدر, وبلغت منك التعاسة مبلغا, فانظر بالعين الأُخرى, عين التفاءل بالسعادة والسرور, واحمد الله –تعالى- على هذا الخير..
وخلق الله لكل إنسان لساناً وأذنين، ولكن أكثر الناس يتكلمون بلسانين، ويسمعون بأذن واحدة، فاحرص -رحمك الله- على اجتناب ما يجرح به اللسان, فكل جرح سيمحى ويبرأ ويشفى, إلا جرح اللسان لا يمحى ولا يشفى.
وإذا أردت السعادة حقّا من غير مجاملة فاسمع بأذن السعادة, واجعل أُذنك سامعة للقرآن والذكر والمدح والوصف, وأغلق أُذن ما يحزنك ويعكّر مزاج راحتك من الغناء والكذب والغيبة والنميمة والشتم والذمّ وكل أبواب الشر؛ فإنها تفسد عليك ما سمعته الأُذن الأُخرى.
وخلق الله لكل إنسان يدين: يدٌ يستعملها ليعين نفسه، ويدٌ أخرى يستعملها ليعين غيره، ولكن أكثر الناس لا يستعملون إلا يداً واحدة، فكن أنت كما خلقك الله واستعمل يد العمل والجهد وطلب العيش, واستعمل اليد الأُخرى لفعل الخير, لتسعد, فما أجمل فعل الخير! امنحْ غيرك معروفاً, وأسدِ لهُ جميلاً, تجدِ الفرج والرَّاحة. اعطِ محروماً، انصر مظلوماً، أنقِذْ مكروباً، أطعمْ جائعاً، عِدْ مريضاً، أعنْ منكوباً، تجدِ السعادة تغمرُك من بين يديْك ومنْ خلفِك.
إنَّ فعلَ الخيرِ كالطيب ينفعُ حامله وبائعه ومشتريه، وعوائدُ الخيرِ النفسيَّة عقاقير مباركة تصرف في صيدلية الذي عُمِرت قلوبُهم بالبِّر والإحسان, فابذل الخير لإخوانك وأحبابك.
وخلق الله لكل إنسان رجلين: رجلاً يسعى بها للدنيا، ورجلاً يسعى بها للآخرة، ولكن أكثر الناس لا يستعملون إلا رجلاً واحدة، فاسعى بكل رجليك لتملك سعادتك في الدنيا, وتجمع رصيد السعادة لتسعد به في الآخرة, فأسعدُ الناس حالاً وأشرحُهم صدْراً، هو الذي يريدُ الآخرة، والسعادة في الآخرة, فالسعادة شجرةً ماؤها وغذاؤها وهواؤها وضياؤها الإيمان بالله، والدار الآخرة.
وخلق الله لكل إنسان قلباً واحداً، يحمل أثقال حياته القصيرة، وليتغلب عليها بقوة الإيمان ليسعدها ويهدّأها, ولكن يجلب لنفسه من الهموم والأحزان ما تثقل لحملها القلوب الكثيرة، فعش كما خلقك الله بقلب واحد, وأملأه رضاء وحبّا لله –تعالى- وكن صادقا بقلبك مع الله, واترك كل حزن, وكل همّ وكل غمّ, فالقلب ينفجر وينكسر مما تدخل عليه من الأحزان التي تشقيك وتُبِئسك{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ}().
وجعل الله لكل إنسان عمراً واحداً، فأضاع من أوقاته كأن له مائة عمر، فاستغِل وقت فراغك بما يعينك على السعادة, من قراءة القرآن, وصلاة النوافل, ومطالعة الكتب المفيدة, فالوقت نعمة الله –تعالى- قلّ من يستغلها في سعادة نفسه (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ))().
وقضى الله على كل إنسان بالموت مرة واحدة، ولكنه رضي لنفسه بجهله وشقائه وأحزانه التي يصنعها لنفسه أن يموت كل يوم موته. أما السعداء{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}().