ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس, وازهد في ما في أيدي الناس يحبك الله ويحبك الناس.
تريد السعادة؟ تريد العزّ؟ تريد الكرامة؟ تريد الفخر؟ تريد الشرف؟. بس كن قانعا بما آتاك الله من مأكل وملبس ومشرب ومسكن ومال ومهنة وموهبة وقدرة, فذلك سعادة وأيما سعادة, عزٌّ يعفيك عن سؤال الناس, وفخرٌ وشرفٌ يرفع مقامك عند الله وعند الناس{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا}().
اجتنب الطمع, وتلبس بلباس القناعة, فالإنسان مطبوع على حب الدنيا وما فيها, والسعيد ليس من ينال كل ما يرغب، وإنما السعيد من يقنع بما أعطاه الله -عز وجل-، قال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني: إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد؛ وإياك والطمع فإنه فقر حاضر؛ وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء قط إلا أغناك الله عنه().
رغيفُ خبز يابسٍ تأكله في زاويه ...وكوز ماء بارد تشربه من صافيه
وغرفة خالية نفسك فيها راضيه ...ومصحف تدرسه مستنداً لساريه
خير من السكنى بظــلات القصور العاليه...من بعد هذا كله تُصلى بنار حاميه.
((من أصبح منكم آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا))() (( ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس))().
اقنع في كل ما أتاك الله من رزق تناله تأتي إليك السعادة راغمة, فالقناعة بما يكفي وترك التطلع إلى الفضول أصل الأصول، والعز ألذُّ من كل لذة، والخروج عن رقَّة المِنن ولو بسفِّ التراب أفضل.
كان محمد بن واسع -رحمة الله عليه- يخرج خبزاً يابساً فيبله بالماء ويأكله بالملح ويقول: من رضي من الدنيا بهذا لم يحتج إلى أحد.
وقيل لبعض الحكماء: ما مالك؟. فقال التجمل في الظاهر, والقصد في الباطن, واليأس مما في أيدي الناس().
اضرع إلى الله لا تضرع إلى الناس ... واقنع بيأس فإن العز في الياس
واستغن عن كل ذي قربى وذي رحم ... إن الغني من استغنى عن الناس.
.......................................
أرفه ببال فتى يغدو على ثقة ... أن الذي قسم الأرزاق يرزقه
فالعرض منه مصون مايدنسه ... والوجه منه جديد ليس يخلقه
إن القناعة من يحلل بساحتها ... لم يبق في ظلها هم يؤرقه.
من أراد السعادة فلا يسأل عنها المال، ولا الذهب والفضة، ولا القصور والبساتين أو الرياحين، بل عليه أن يسأل عنها نفسه التي بين جنبيه؛ فإن القناعة هي ينبوع السعادة وهناءته.
أطعت مطامعي فاستعبدتني...ولو أني قنعت لكنت حرا..
..................................
أقسم بالله لرضخ النوى ... وشرب ماء القلب المالحه
أعز للإنسان من حرصه ... ومن سؤال الأوجه الكالحه
فاستشعر اليأس تكن ذا غنى ... متغبطا بالصفقة الرابحه
فالزهد عز والتقوى سؤدد ... ورغبة النفس لها فاضحه
من كانت الدنيا به بـــرة ... فإنــــها يومــــا لــه ذابـــــحه.
عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة أمر أن يشترى له مطرف خزّ -حرير- فاشتري له بألف دينار، ووضع يده عليه وقال: ما أخشنه.
فلما ولي الخلافة أمر أن يشترى له ثوب بثمانية دراهم، فلما جيء به إليه وضع يده عليه وقال: ما أرقه! ما ألينه! ما أنعمه! رب صاحب قصر يتمنى السعادة، وربَّ فقير يعيش في كوخ وهو يتظلل ويظلل أهله بالسعادة().
سُئل أحدهم عن سر قوة الإمام الحسن البصري -رحمه الله-: فقال في صراحة: احتجنا إلى دينه، واستغنى عن دنيانا().
وكتب حكيم إلى أخ له: أما بعد! فاجعل القنوع ذخرا ولا تعجل على ثمرة لم تدرك، فإنك تدركها في أوانها عذبة، والمدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح لما تؤمل فثق بخيرته لك في أمورك كلها().
اقنع بما عندك من المواهب والقدرات والحركات ولا تنظر إلى ما عند الناس تكن مرتاح البال, منشرح الصدر, هادئ النفس, لا شغل يشغلك, ولا بأحدٍ يذهب فكرك{وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ}() فلا بد أن يعرف الإنسان أن من كمال وتحقيق الرضا بالله رباً؛ أن يقنع الإنسان بما كتب له في هذه الدنيا، ولا ينظر إلى من هو فوقه في الأمور الدنيوية.
فقلت لها وهي لوامة ... وفي عيشها لو ضحت ما كفى
ذريني ذهبت أنال الغنى ... بيأس الضمير وهجر المنى
كفاف امرئ قانع قوته ... ومن يرضى القنع نال الغنى..
قال بعض الحكماء: إن من قنع كان غنيا وإن كان مقترا، ومن لم يقنع كان فقيرا وإن كان مكثرا.
وقال بعض البلغاء: إذا طلبت العز فاطلبه بالطاعة، وإذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فمن أطاع الله -عز وجل- عن نصره، ومن لزم القناعة زال فقره.
قال حكيم: أربعة طلبناها فأخطأنا طرقها: طلبنا الغنى في المال، فإذا هو في القناعة، وطلبنا الراحة في الكثرة فإذا هي في القلة، وطلبنا الكرامة في الخلق، فإذا هي في التقوى، وطلبنا النعمة في الطعام واللباس، فإذا هي في الستر والإسلام().
لفقر أدبني والستر رباني ... والقوت أنهضني واليأس أغناني..
....................................
وأشعــــــــر قلـــــــبك الـــــيأس ... مــــــن الناس تعــــــــــش حــــــــــــــرا.