إن من سعادتنا في الدنيا: أن نعلم أن هناك ربٌّ يخفي لنا رحمته الواسعة, وفي وقت ما نكون أشد الحاجة إلى تلك الرحمة, فإذا هي تغشانا, وتحيط بنا, ومن دعائم السرور والارتياح، أن تشعر أن هناك ربا يرحم ويغفر ويتوب على من تاب، فأبشر برحمة ربك التي وسعت السماوات والأرض{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}() وما أعظم لطفه -سبحانه وتعالى-، وفي الحديث: أن أعرابيا صلّى مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلما أصبح في التشهد قال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا. قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لقد حجرت واسعا)) () . أي: ضيقت واسعا، إن رحمة اله وسعت كل شيء{وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}().
وأما في الآخرة ففضل الله علينا لا تحصيه الألسن, فهذا رجل أحرق نفسه بالنار فرارا من عذاب الله -عز وجل-، فجمعه -سبحانه وتعالى- وقال له: ((يا عبدي، ما حملك على ما صنعت؟. قال: يا رب، خوفك، وخشيتك. فأدخله الله الجنة)) ().
وحاسب الله رجلا مسرفا على نفسه موحدا، فلم يجد عنده حسنة، لكنه كان يتاجر في الدنيا، ويتجاوز عن المعسر، قال الله: نحن أولى بالكرم منك، تجاوزوا عنه(). فأدخله الله الجنة{وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ}().
والرسول -صلى الله عليه وسلم- صلّى بالناس يوما، فقام رجل فقال: أصبتُ حداً يا رسول الله!، فأقمه عليّ. قال: ((أصليت معنا؟)). قال: نعم. قال. ((اذهب فقد غفر لك)) ().
فلا إله إلا الله كم هناك من لطائف لله في خلقه وهم لا يشعرون, وكم هناك من كنز من كنوز الرحمة مخفية عن العبد من أمامه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحت قدميه، والعبد مسكين لا يعلم ذلك, إلا أن يتغمده ربه بواسع رحمته، انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فواساهم الله من خفي رحمته وأنجاهم, وتخلف الثلاثة عن رسول الله وضاقت بهم الأرض ففرج الله عنهم بفرج خفي, وتكلم المنافقون في عرض عائشة فلم يزل الوحي منقطعا, وعيونها تفيض دمعا, وقلبها يتقطع ألما, حتى نزلت بشائر الرحمة بالإفراج وعادة السعادة إلى مجراها{فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ}().