إن نفرا من الناس إن جاءتهم الأخبار من كل فجّ, والأوهام من حدبٍ, والتوقعات من كل طريق, يأخذونها. إن قيل في فلان كذا, قالوا: نعم! فيه ذلك.
وإن قيل فلان فعل كيت وكيت, قالوا: نعم! فعل ذلك. فأصبحوا ينظرون إلى الناس بعين السخرية, وبعين التُهَم, وبعين النقص, فلا يجدون سعادة الودّ والأخوّة.
أما أولئك –وأنت اجعل نفسك منهم– السعداء, ينظرون بعينين, عين تنظر في الكلام الذي قيل في إخوانهم, وعين تبحث له عن عذر تبرّأه به, وتدفع السوء عنه, هذا أبي أيوب! وزوجته أُمّ أيوب حين نقلت الأخبار في حادثة الإفك عن أُمّ المؤمنين عائشة –أكرمها الله بالعفاف– وترصد لها المنافقون -عليهم من الله ما يستحقون- بالمرصاد وحملوا عليها كلاما بذيئا, قالت أمّ أيوب: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة، -رضي الله عنها-؟. قال: نعم، وذلك الكذب, أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟. قالت: لا والله ما كنت لأفعله. قال: فعائشة والله خير منك(){لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}() فانظر إلى العذر الذي تلمّساه لها.
فنصيحتي لك حتى تكسب قلوب الناس, وتسيطر على قلوبهم, أن تلتمس لهم الأعذار, وتبحث لهم عن المدافع, ولا تجعل أُذنك كالإسفنجة, تقبل كل شيء, وتستمع إلى كل شيء, تفرح بالشائعات, فأعراض المسلمين بحاجة إلى تغطية الأذن, وترك السماع لما يقال, فيوم لك ويوم عليك, فاليوم صدّقت ما قيل في أخيك, ولم تبحث له عن عذر, وغدا سيكون الكلام فيك وفي عرضك, وسيصدق عليك, ولن تجد أحد يدفع عنك الكلام, ويبحث لك عن عذر{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}().