{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}(){لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}(){وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}().
إذا كنت تريد الحماية الكبرى لنفسك من الهموم والأحزان والمخاوف والتعسر في الأمور؟! ثق بالله في جميع أُمورك, وراقب الله في كل أحوالك, وتوكل على الله في شؤون حياتك, فمن توكل على الله كفاه من كل شرٍّ, ووقاه من كل ضرٍّ, وكان الله معه في كل مكان{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}().
إذا داهمك الحزن, ورابك الغمُّ, ونالت منك التعاسة, وبلغ بك الكدر مبلغا, فلا تغلق! معك الله الذي قال: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}() معك في كل مكان, وفوقك تحت كل سماء{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وناصرك على كل عدوّ{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ}() وكاشف ما بك من بلاء{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ}().
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} الذي كفاك همُّ أمس يكفيك همُّ اليوم وهمّ غدٍ، فتوكل عليه، فإذا كان معك فمنْ تخاف؟ وإذا كان عليك فمنْ ترجو؟{إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ}().
التوكل على الله زاد المؤمنين, يثبتهم عند الفزع، ويدفعهم إلى الإقدام، ويملأ قلوبهم بالعزة عند السؤال، المؤمن الحق يجد في التوكل على الله راحة نفسية وطمأنينة قلبيه، فإذا أصابه خير علم أنه هو الله المدبر الذي ساقه إليه، فحمده وشكره فكان خيراً له، وإن أصابته شدة أيقن أن الله هو الذي أصابه بها اختباراً له وابتلاءً، فصبر واسترجع فكان خيراً له{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}() والله إن تخلى الله عن عبد فلن تغني عنه قوته، ولا استعداده، ولا ذكاؤه، ولا ماله، ولا جاهه، ولا غذاؤه، ولا جميع قوى الدنيا وإن وقفت معه، لكن المؤمنون في أشد الساعات يوم تشتد الأهوال، يوم يحجب الأمر، يوم تكفهر الأجواء وتنقطع الأسباب، لا يلتمسون إلا عون الله وفضله، لا يطلبون إلا رعاية الله ومدده، وسرعان ما تزول عنهم الشدائد وتفرج عنهم الكربات، لأن الله قد وعدهم, أنه لن يتخلّى عنهم, وأنهم لن يقليهم, وأنه معهم في كل أرض وتحت أيّ سماء{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}أفلا نكون من هؤلاء المؤمنين{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}() هذا الزاد كان عماد الأنبياء في جهادهم مع أعداء الله، كان قولهم عندما يتألب الخصوم, وتتألب الأعداء, وتشتد عليهم الأمور, وتضيق بهم الأرض والنفوس{وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ}().
هاهو إبراهيم -عليه السلام- يضع زوجته وابنه إسماعيل في أرض مجدبة لا زرع فيها ولا ثمر، ولا جليس, ولا أنيس, ولا جار قريب, في أرض صحراء موحشة, ويذهب, فتقول زوجته: إلى من تكلنا؟. قال: إلى الله الذي أستودعكما إياه. فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا. يا الله! ما هذه الثقة؟! إذاً لن يضيعنا!! ثقة وتوكل واعتماد, إنها النفوس المطمئنة حين تتوكل على الله, حين تفوض الأمر إلى الله.
فليتك تحلو والحياة مريرة ... وليتك ترضى والأنام غضاب
إذا صح منك الود فالكل هين ... وكل الذي فوق التراب تراب.
ثم ماذا كانت النتيجة لأُمنا هاجر؟! النتيجة كانت: أن الله لم يضيعها كما ظنت هي بربها, وفي لحظات معدودة إذ بالماء يفيض من بين رجليها ماءً لم ينقطع إلى يومنا هذا فشربت وأشربت صغيرها وأذنت لمن جاءها أن يشرب واستمرت الحياة في ذلك المكان في أمن وأمان, وراحة واطمئنان, وسكينة ووقار{وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}().
وإبراهيم, حين أُلقي في النار, من يظن أن الله سيتخلّى عنه؟! كلا -ورب الكعبة- ما ودعه الله وما قلاه, بل قال للنار: كوني بردا وسلاما عليه, وصدق الله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
وهذا موسى -عليه السلام-, ألقته أُمّه في التابوت, فألقت التابوت في البحر, فهل تركه الله وغفل عنه وقلاه؟! كلا -ورب الكعبة-! ما ودعه الله, وما قلاه, بل حفظه حتى وصل إلى بيت فرعون ليتربى في بيت عدوه وبحفظ من الله وعناية وصون له من كل مكروه يصيبه, وتربى في بيت فرعون, وهاجر إلى مدين ولم يكن معه زاد ولا شراب ولا صديق ولا أنيس, إنما كان الله الذي يرعاه ويحفظه, فما كانت النتيجة؟! النتيجة أن موسى حصل على السكن والطعام والزوجة والمتاع, وحصل على أجمل شيء نتمناه نحن: أن كلم ربه -جلّ جلاله-, وحصل على الشأن العظيم, والعون من الرب الرحيم, وصدق الله: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
والله! ثم والله! إن الله لهو أرحم بنا من أُمهاتنا, إنه لن يضيعنا مهما تكلابت علينا كلاب الأعداء, وغارت علينا طائرات الأشرار, ومهما غلت الأسعار, وانخفضت العملات, وأجدبت الأرض, وأمسكت السماء, ومهما غزانا الشيب من الهموم والأحزان, وأظلمت علينا الأرض بما رحبت وضاقت علينا أنفسنا. كيف يضيعنا وهو يقول: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ}() {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}؟ ().
رسول الله –صلى الله عليه وسلم–, تأخر الوحي عليه, حتى شاع الخبر أن الله تركه وأودعه فكاد الهمُّ أن يسيطر على قلب رسول الله –صلى الله عليه وسلم– إذا بالوحي ينزل من الذي لا يغفل ولا ينام, ولا يترك ولا يجفي, ينزل على قلب رسوله ليفرحه وليبشره وليسره وليرد على الكاذبين في آيات أقسم الله فيها بالوقت المبارك بالضحى والليل, ثم كان جواب القسم مباشرة ينفي ما قالوه وما افتروه: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}نحن معك, أنت في حمايتنا, أنت في كنفنا, أنت رسولنا, أنت بأعيننا, فلا تيأس! ولا تقلق! ودع عنك ما قيل{ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}().