أنا مطلبي السعادة, وهدفي السعادة, وغاية وصولي إلى السعادة. وأنت! هل تطلب السعادة؟ هل تريدها حقا؟ سأدلك عليها وأنت جرّب سلوك دروبها, ولاحظ ماذا ستشعر؟ وأي عالم تسكن؟.
السعادة في تلاوة القرآن, جرّب تلك الحلاوة واللذة في تلاوة القرآن, بتفكر, وتدبر, وتأنّي. جرب تلك اللحظة التي تفتح فيها المصحف وتسمع كلام ربك, كلام من؟! كلام من لا تراه العيون, ويشعر بوجوده القلب, ويفتح لكلامه الصدر, وتذوب منه العيون, وتترطّب له الألسن والشفاة. جرّب تلك السعادة والفرحة التي تملئ قلبك, والله إن جرّبتها مرة, ستعود للتلذذ بها أكثر من مرة, والله ستشعر بأنك وحيد على هذه الأرض, وبأن الأرض كلها لك, والسموات كلها بين يديك, وستنظر إلى الحياة بعين الجمال والهدوء والوقار والسكينة{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}().
السعادة في التبّسم, جرّب تلك البسمة أسبوع واحد فقط, وانظر ماذا تجد من السعادة! والله وكأنك تتجول في بستان تقطف من كل شجرة ثمرة تتذوقها!, وكأنك دخلت محلُّ عطور فاشتممت من كل عطرٍ شمة!, وكأنك في خلايا النحل تأخذ من كل خلية لعقة عسل! سعادة وأيّما سعادة.
تدخل في قلبك السرور والفرحة. هل جربت أن بينك وبين شخص حساسة من العداء, وبينما لقيك في الطريق ابتسم في وجهك وسلّم عليك بتحية الإسلام, ماذا سيكون شعورك في ذلك الوقت؟ انتهت العداوة, انتهت المخاصمة, انتهت المشاكل من مجرد البسمة التي ألقاها في وجهك فقط, فما بالك وأنت تبتسم أمام الملايين من البشر كل يوم وكل ساعة؟!.
هل جربت البسمة والسلام مع شخص لا تعرفه, ولا تدري من أين هو؟ من مجرد البسمة والسلام التي كانت منك في البداية جعلت ذلك الشخص لك صديقا وحبيبا وأخ أفضل من أخيك, والسبب في تلك الصداقة التي عاشرتها أيام طويلة هي: تلك البسمة والسلام.
السعادة في الصدقة, هل جرّبت الصدقة يوما؟ وهل عاشرتها يوما؟ الصدقة تتطفئ لهيب القلب المحزن والمقلق والمفزع والكئيب, وتسقيك شراب السعادة, وتلبسك ملابس الفرح, وتمنحك جنسية العيش في الحياة بسلام.
هل جرّبت يوما أنك لقيت واحد من الناس الذي تعرفهم دون أن تصادقهم, وأعطيته شيء, منحته إياه لوجه الله, كيف سيكون لقاءه معك مرّة أُخرى؟ والله من أول ما يراك يصيح بأعلى صوته يا فلان! والضحكة تملأ فمه, والبسمة تملأ شفتاه, وإن طلبة منه العين لمنحك إياها, محبة لك, واحترام وتقدير لك, والسبب لتلك اللحظات الجميلة التي عشتها مع هذا الشخص هي: تلك العطّية التي منحتها إياه لوجه الله.
السعادة في الرضا بقدر الله وقضاءه, هل جرّبتها يوما؟ تلك سعادة جميلة, وسرور دائم, وحياة أبدية.
تخيّل أنك تخاطب الناس بكلمة: "أنا راضي", قالوا لك الدقيق والسكر ارتفع سعره, الدولار ارتفع صرفه, الحروب لا تنتهي, راتبك انقطع, ابنك مات, زوجتك سقطت, تم إيقافك من العمل, تم نقلك من السكن, وغيرها من الأمور التي تأتي بقضاء الله وقدره, فكنت في بسمة بل وضحكة وأنت تقول: أنا راضي. الناس سيصطدمون بصدمة الدهشة من صلابتك, وحتما سيقولون: يا له من رائع! في هذه الشدائد يتبسم ويرضى, وسيضربون بك المثل في حياتك وبعد موتك.
اعملها وجرّب السرور الذي يأخذك بعد هذا الكلام الرائع. وتَذَكَّرْ هذا الكلام الجميل, من ربّ العالمين, وهو يطمئن القلوب, ويهدّأ النفوس, ويريح الصدور, وينور الوجوه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}().
السعادة في الصلاة, الصلاة مفتاح كل خير, وسعادة القلوب, وقرة العيون, وراحة البال, وطمأنينة النفس, وانشراح الصدر, ونور الوجوه, وعيش الأمان.
هل جرّبت يوما الصلاة بحضور القلب, وخشوع الجوارح, وقرارة البدن, وتحسين التلاوة؟ والله إنك تعيش في عالم غير العالم الذي أنت فيه, إنه عالم السعادة.
هل جرّبت يوما, الحزن داهمك, والخوف تلبس بك, واليأس حلّ بك, والكآبة أحاطت بك, والغضب تمكّن منك, ثم ذهبت إلى المسجد -في الوقت نفسه- وصليت ركعتين تحية المسجد؟ ستلاحظ أنك غير موجود في هذا العالم, وأنك في عالم آخر, عالم فيه برودة للبدن ممزوجة بلّذة في القلب مغطاة بسكينة تحيط بك بطعم الخشوع والوقار, عالم اسمه: (( أرحنا بها يا بلال )) (), ستشعر بهذا والله منذ دخولك المسجد.
السعادة في المناجاة, إذا ألمّت بك الشدائد, وداهمك الخوف, وشملتك التعاسة, وأغرقك بحر الدموع, وجرت بك أنهار الكدر, وعصفت بك عواصف الملل والسأم, وأظلمت عليك أرض الوحشة, وضاقتْ عليك الأرضُ بما رحُبتْ, وضاقتْ عليك نفسُك بما حملتْ, ارفع يديك إلى السميع القريب, الرحمن الرحيم, في مكان تختلِ فيه, وقل: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت.. وقل: اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال.. وقل: اللهمّ اجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وذهاب همي، وجلاء حزني.. وانظر في النتيجة.
السعادة في حضور حلقات العلم, والله إن الشيخ يقرأ علينا آيةً أثناء محاضرته وأنا أتصور أني في الجنة, من شدة فرحي بذلك الموقف وتلك اللحظة, طلعت بقلبي إلى الملكوت الأعلى وأنظر في الجنة والنار, سبحان الله! شعور لا يُكاد يُصدّق.
وهذا لا يخفى على الجميع فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم– قد قال قبل أن نُخلق بقرون عددا: (( وما قعد قوم في بيوت من بيوت الله يتدارسون كتابه ويتذاكرون آياته؛ إلا حفتهم الملائكة, وغشيتهم الرحمة, ونزلت عليهم السكينة, وذكرهم الله في من عنده )) () سعادة مضمونة مع كل هذه الجوائز لصبرِ دقائق في مجالس العلم.
وكل ما سبق ليس ضربا من الخيال, بل واقع مجرب ومدروس, أخذته من واقع حياتي قبل حياة غيري, لتمشِ في دروبٍ مجربة, وواقع حقيقي..