إنه حديث جميل يعطيك صورتك الحقيقة أمام أعين الحساد، فتكون قد علمت أنك محسود..
فإني أريد أن أهمس في أذنيك أن لا تحزن حين ترى سهام الحسدة قد وجهت إليك، وترى منجنيق الحاسد قد رفع لصوبك وتحطيم سعادتك، فلا تحزن!! إنهم لم يحسدوك لشيء أنت أخطأت به، ولا لشيء أنت أخذته سلبا عليهم.. إنما حسدوك ورموك بمنجنيق النظرات الحاسدة، والكراهة الحاقدة، والتحريضات الساطحة، ليس إلا أنك علوت عليهم علما أو مالا أو جمالا أو حسن خلق، ورأوا منك شيئا أعجبهم فما اسطاعوا أن يفعلوه وما استطاعوا لمثله نقبا.. فاثبت واصبر, واحتسب الأجر من الله, وتوكل عليه, وامضِ في علمك وعملك, وكرر قراءة القرآن، وتحصن بالأذكار، واستعذ بالله من الحاسد الشيطان..
لا تحزن من الحساد!! فالحاسد هو الوحيد الذي يرمي بسهام حسده فيصيب بها جسده..
لا تشغل بالك بالحاسد، ولا تبحث له عن علاج، فوالله ما يرضى ولا يهدأ ولا يرتاح حتى يرى سعادتك قد ذهبت، وعلمك قد ضاع، ومالك قد نفد، هنا لعله يرتاح ويهدأ..
ﺃﻋﻄﻴﺖ ﻛﻞ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻧﻔﺴﻲ اﻟﺮﺿﺎ ... ﺇﻻ اﻝﺣﺴﻮﺩ ﻓﺈﻧﻪ ﺃﻋﻴﺎﻧﻲ
ﻻ ﺃﻥ ﻟﻲ ﺫﻧﺒﺎ ﻟﺪﻳﻪ ﻋﻠﻤﺘﻪ ... ﺇﻻ ﺗﻈﺎﻫﺮ ﻧﻌﻤﺔ اﻟﺮﺣﻤﻦِ
ﻳﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﺣﻨﻖ ﺣﺸﺎﻩ ﻷﻥ ﺭﺃﻯ ... ﻋﻨﺪﻱ ﻛﻤﺎﻝ ﻏﻨﻰ ﻭﻓﻀﻞ ﺑﻴﺎﻥِ
ﻣﺎ ﺇﻥ ﺃﺭﻯ ﻳﺮﺿﻴﻪ ﺇﻻ ﺫﻟﺘﻲ ... ﻭﺫﻫﺎﺏ ﺃﻣﻮاﻟﻲ ﻭﻗﻄﻊ ﻟﺴﺎﻧﻲ..
تعال معي في جولة الحياة التي خضتها أنا في هذا الطريق الإيماني، ممن زرعوا لي ألقام الحسد ومفجرات الغيرة، ولست أخبرك بحالي أني أشتكي لك منهم، -تعالى الله-! فكيف أشكو الضعيف الذي لا يرحم.. وكيف أشتكي إليك وأنا الذي أعلمك الآن درس الثبات في عيون الحساد?!.. وماذا عساك أن تصنع معي في ماضي قد انصرم، وذهب ولن يعد!? ولست أزكي نفسي وأبالغ في مدحها أمامك، لأكسب عندك الشهرة والمدح، أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، إنما أسرد لك ماضي حياتي لتعلم علم اليقين أنك لست المصاب وحدك..ولست المحسود وحدك..ولست المبتلى وحدك، بل قد سلكت طريقا قد سلكه من قبلك وسلكناه من بعدهم قبلك..
وذلك أني كان معي رفقة دائمة المواظبة في المسجد، والله يشهد أني أحبهم وأجلهم وارتاح بمجالستهم, وحين أنعم الله عليّ بنعم قصرت عندهم ولم يستطع الواحد منهم الوصول إليها, بدأت المطاردات لي أشبه بحرب باردة -كما يقال-، سُرقت أحذيتي من المسجد مرات!.. ورأيت أعينهم تفيض من البغض والكراهة ما الله بها أعلم، دون أن أشعر أنها الغيرة والحسد من نعمة العلم.. ومرت الأيام فصعدت خطيبا في ذلك المسجد وكانت خطبة محكمة، وبنبرات موزونة، وتفصيل محكم، وصوت يصفع آذان النائمين، وهي أول خطبة لي أخطبها عن ظهر قلب، وكانت بعنوان: الظلم وهتك أعراض المسلمين. ولم أكن أعلم أني قد وقعت على جروحهم، ومن هنا بدأت الحرب أوزارها، وأشعلت نيرانها، وحمي حرها، واشتدّ لهيبها.. وطار اسمي على كل لسان بشكل سيئ، وكادت نفسي أن تسقط في وحل الأحزان والهموم مما تعرض لي في طريق العلم، وظل قلبي حزينا، كيف هذا..!? ولماذا..!? وماذا فعلتُ لأعاقب بهذا..!? والله الذي لا يحُلف إلا به ظليت أكرر هذه الأسئلة متعجبا ماذا أنا فعلت!؟.. ولم أجد علاجا نافعا لهذا..
ﻭﻛﻞٌ ﺃﺩاﻭﻳﻪ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭ ﺩاﺋﻪ......ﺳﻮﻯ ﺣﺎﺳﺪﻱ ﻓﻬﻲ اﻟﺘﻲ ﻻ ﺃﻧﺎﻟﻬﺎ
ﻭﻛﻴﻒ ﻳﺪاﻭﻱ اﻟﻤﺮﺅ ﺣﺎﺳﺪ ﻧﻌﻤﺔ.......ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﺮﺿﻴﻪ ﺇﻻ ﺯﻭاﻟﻬﺎ!?.
وفي نفس الوقت جاءني شخص لم يكن من بلدتي وقال: يا أبا الليث لقد علمتُ ما قال فيك قومك, وقد حضرت خطبتك التي ألقيتها في يوم الجمعة، فإني أرى أنها خطبة وقعت على ألمٍ من جروح رفقتك, فاثبت واستمرّ على حالك فإنها والله حسدا وغيرة!! ليس إلا لأنك أبدعت في إخلاصك بالعلم, فغارت قلوبهم منك, فتوجهوا إلى إعلان الحرب عليك, فاثبت ولا تتزعزع ولا ترجع عن إقدامك, فإن لك شأن عظيم إني لك من الناصحين.. فجبر خاطري، وخفف عني من لهيب الهموم والغموم، فجزاه الله خيرا قد رفعني من قعودي، وحينها عرفت قدر نفسي ورميت الحقد من قلبي وتوجهت بالدعاء إلى الله يكفيني شر الحاسدين، وكيد الحاقدين، فقويت قلبي حتى لا يضعف، وصفيت صدري حتى لا يحقد، وحفظت لساني حتى لا يطعن، وتوجهت إلى كل من رأيت منه حسدا وتقدمت أنا بطلب المسامحة مع علمي بنفسي أني لم أكن أنا المخطئ بشيء ولكن لوجه الله لا لأجل وجوه البشر، واعتزلت حياتي لوحدي ومن هذا الموقف صنعتُ من هذه العزلة هديتي لك كتابا أسميته: دروب السعادة، لتسعد أنت، وكسر شوكة الأحزان، لئلا تحزن مما تلاقي..
وانتهت جولتك معي بعد إن عرفت مقامي الآن، وأولئك ما زالوا بيضاً لم تفقس في عش حمامة..
ﻋﺪاﺗﻲ ﻟﻬﻢ ﻓﻀﻞ ﻋﻠﻲ ﻭﻣﻨﺔ....ﻓﻼ ﺃﺫﻫﺐ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﻨﻲ اﻷﻋﺎﺩﻳﺎ
ﻫﻤﻮا ﺑﺤﺜﻮا ﻋﻦ ﺯﻟﺘﻲ ﻓﺎﺟﺘﻨﺒﺘﻬﺎ....ﻭﻫﻢ ﻧﺎﻓﺴﻮﻧﻲ ﻓﺎﻛﺘﺴﺒﺖ اﻟﻤﻌﺎﻟﻴﺎ!?.
احمد الله أنك محسود ولست بحاسد، احمد الله أنك مظلوم ولست بظالم، احمد الله أنك على الصواب ولست على الخطأ، احمد الله أنك على خير ولست على شر..
أنت محسود على كل حال، ومن المحال خلوّك من الحسدة لإنك صاحب نعمة، وصاحب خلق، وصاحب مال، وصاحب صفات حميدة، فواجبٌ أن يكون لك حسدة{وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوُجٍ مُشَيَّدَةٍ}() أما التافهين فلا حسّاد لهم.
إن العرانين تلقاها مُحَسَّدة ... ولا ترى لِلِئَام الناس حسّادا..
حسدُوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالناس أعداءٌ له وخصومُ
كضرائر الحسناء قُلْن لوجهِها ... حسدا ومقتا إنهُ لذميمُ.
........................................
همْ يحسدوني على موتي فوا أسفاً ... حتى على الموت لا أخلو مِن الحسد..
........................................
شكوتَ مِن ظلمِ الوشاةِ ولنْ تجد ... ذا سؤددٍ إلا أُصيب بحُسَّدِ
لا زلتَ ياسِبط الكرام محسَّداً ... والتافهُ المسكين غير محسَّدِ..
إذاً: عرفت أنك محسود على أي حال, فجامل الناس لوجه الله مهما حسدوك، جاملهم بالكلمة الطيبة، والابتسامة المجذبة، واللين والرفق والحكمة، وحصّن نفسك بالأذكار والقرآن والتوكل على الله, حينها ستدرك أنك إنسان سعيد مرح قد عرف قدره وعرف قدر غيره..فإني أطعمك الآن بطعام الواقع المجرب، وأسقيك بكأس الحسّ الملموس، وأخاطبك بقلبي وليس بلساني لإني أحبك ودليلي على أني أحبك أعطيتك سرا من سرّ حياتي..
وسأزيدك وصايا عظيمة النفع قد جربها من قبلك حفاظا على سعادة حياتهم:
التوكل على الله{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}().
اﻟﻤﻌﻮﺫاﺕ ﻣﻊ اﻷﺫﻛﺎﺭ ﻭاﻟﺪﻋﺎء ﻋﻤﻮﻣﺎ{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}().
ﻛﺘﻤﺎﻥ ﺃﻣﺮﻙ ﻋﻦ الحاﺳﺪ{لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}() ((اقضوا حوائجكم بالكتمان)) ().
اﻻﺑﺘﻌﺎﺩ ﻋﻨﻪ{وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ}().
اﻹﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻴﻪ ﻟﻜﻒ ﺃﺫاه{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}().
الرقية الشرعية, قالت عائشة: (( أمرنا رسول الله – أن نسترقي)) ().
لا تنشغل بالحاسد ولا تفكر به{قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} ().