إن من سعادتنا في الدنيا: كسب قلوب الناس, وأسر مشاعرهم, حتى نعيش عيشة السعداء, جنبا مع جنب, وعلينا ألا نترك مواساتهم والرفق بهم, وعلينا أن نحملهم محمل الخير.
فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم, في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم، ولا يحتاج منهم إلى العطاء، ويحمل همومهم، ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا.
وهكذا كان قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا كانت حياته مع الناس؛ ما غضب لنفسه قط ولا ضاق صدره بضعفهم البشري، ولا احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه الحياة، بل أعطاهم كل ما ملكت يداه في سماحة ندية، ووسعهم حلمه وبره وعطفه ووده الكريم، وما من واحد منهم عاشَرهُ أو رآه إلا امتلأ قلبه بحبه، نتيجة لما أفاض عليه -صلى الله عليه وسلم- من نفسه الكبيرة الرحيبة.
كيف لا يحبه القوم وهو الرفيق والحبيب وخير بشر عرفته الأرض, ولك أن تنظر في رفقه –عليه الصلاة والسلام- جلس ذات يوم في بيت عائشة ومعه كبار الصحابة ليتناولوا وجبة الطعام من طبخ عائشة, وكان ذلك اليوم هو يوم عائشة للطبخ وصنع الطعام.
فجلس الصحابة ونبيهم ينتظرون الطعام يجهز ليأكلوا، وبينما هم كذلك إذ بباب البيت يقرع وكان القارع صاحب طعام من زوجة النبي حفصة -رضي الله عنها-، فوضِع الطعام أمام الرسول وأصحابه، وإذ بعائشة تنظر في الطعام الآتي من حفصة فأحدث في قلبها شيء من الغيرة، لسان حالها: كيف يا حفصة تحضرين الطعام للنبي واليوم هو يومي!. وهذا التفكير البشري عند النساء ما زال موجودا إلى يومنا هذا، فمسكت صحن الطعام ورمت به، وهذا الموقف أمام من وقع?! وفي حضرة من وقع?!.
لقد وقع أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- القائد الأعلى للقوات المسلحة، الزعيم والرئيس, والرجل الأول في دولة الإسلام. ووقع الموقف في حضرة كبار الصحابة عمداء وأركان وقادة آلوية ومدرعات و..و..
والذي حصل من عائشة ما هو بالأمر السهل الهين!!ولو أنه حصل مع أحد من أهل زماننا, فماذا عساه فاعلا بزوجته التي أخجلته أمام القوم؟!..
وهنا يأتي أُسلوب الرفق من الحبيب –صلى الله عليه وسلم- لم ينهرها, ولم يطلقها, ولم يلحقها بأهلها, بل ابتسم وهو يضحك قائلا: ((غارت أمكم))(). وصدق ((خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي))().