كم من مهمومٍ؛ سببُ همِّه أمرٌ حقير تافه لا يُذْكر!, وكم من حزين أمضى حياته في حزن؛ بسبب تافه حقير!, وكم من إنسان حُرِم سعادته؛ بسببٍ حقير!, وكم من غني سببٌ حقير كان سبباً في فقره!, وكم من إنسان حُرِم سعادة الدارين؛ بسبب كلمة بسيطة لا يُصَدّق أنها هي سبب حُرمانه من السعادة!.
فنصيحتي لك -يا أخي- ألا تستخفّ من الشيء الحقير, ولا تقل: لا يضُرّني هذا الشيء التافه, أو تقول: لا يفيدني فعل هذا القليل, فكم من قليل رفع أُناس, وعلا شأنهم, وارتفعت قيمتهم, وارتقوا في الدرجات العلياء, وعاشوا في كنف السعادة.
وكم من قليل حقير أهلك أُمم, وأهبط أُمم, وأحزن أناس, وأفقر آخرين{وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}().
فانظر إلى الحقير كيف يفعل بمن يستخفّ به, الشيطان طُرد من رحمة الله, وذُلَّ وحُقّر بعد أن كان في السموِّ والرفعة مع الملائكة المقربين؛ والسبب أنه رفض من سجدة{فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى}() فعاش في الشقاء إلى يوم القيامة.
وآدم -عليه السلام- طُرِد من سعادة الأبد, ومن جنة الخلد, وأٌهبط أرض التعب؛ بسبب مضغةٍ من شجرة الشيطان{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}()فتاب الله عليه, وأصطفاه.
وقارون ذهبت سعادته, وتلفت أمواله, وانهدم داره, فهو يتجلجل بين أرضه وسماءه, إلى يوم القيامة؛ والسبب كلمة أسلبته سعادته في الدارين{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}() فخسر الدنيا والآخرة.
وأصحاب الجنة [البستان] أُهلكت أرضهم فتحولت إلى أرض خربة؛ والسبب نيتهم السيّئة{أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ}()فُسلبت سعادتهم ما بين عشية وضحاها.
وفرعون ضاق أشدّ العيش, في خوف سرمدي, حذراً على يد من يكون قتله, ومات أشرّ موته؛ والسبب كلمة{أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}() فخسر الدنيا بالمخاوف والأحزان, والآخرة بأسفل النار.
وأبو لهب عاش في الشقاء والتعاسة, وعاش في اليأس من رحمة الله؛ والسبب شوكة كان يضعها في طريق النبي –صلى الله عليه وسلم- {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}() فخسر الدنيا والآخرة.
ورجل آخر حكاه القرآن خسر حياة الدنيا الطيّبة, وعاش في الضنك والضيق؛ والسب كلمة في وجه الوالدين{وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا}().
وصدق رسول الله –صلى الله عليه وسلم– حين قال: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب))().
فلا تكن أحمق وتخسر سعادتك الدنيوية فضلا عن سعادة الآخرة, وإياك من قول هذا حقير وهذا قليل, وهذا صغير فعباد الله المقربين هم القليل{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}(){ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ}(){فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ}(){مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}().
وعباد الله الخاسرين هم الكثير{بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}(){وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}(){وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ}(){وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}(){وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}().