إني رأيت نملة في حيرة بين الجبال
لم تستطع حمل الطعام وحدها فوق الرمال
نادت على أخت لها تعينها فالحمل مال
لم يستطيعا حمله تذكرا قولا يقال
تعاونوا جميعكم فالخير يأتي بالوصال
نادت على إخوانها جاءوا جميعا بالحبال
جروا معا طعامهم لم يعرفوا شيئا محال.
لقد أعجبني أسلوب النمل في التكاتف والتعاون, وفعل المستحيل بالنسبة لعالم النمل الصغير؛ وهذا –بإذن الله تعالى– يفتح لك دروب السعادة ويوصلك إلى السعادة بمشاركة إخوانك لك في سبل الخير, ولأنه يوصل إلى الألفة والتراحم ولأنه يوصل إلى القلوب ألطافا، ويثنيها محبة وانعطافا, والناس فطرت على حب من أحسن إليها, ولذلك ندب الله به وقرنه بالتقوى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}()؛ لأن في التقوى رضى الله –تعالى-، وفي البر رضى الناس. ومن جمع بين رضى الله –تعالى- ورضى الناس فقد تمت سعادته وعمت نعمته.
فالتعاون طريق إلى السعادة, وسُلّماً يُصعد به إلى عالم النجاح، ولك أن تتفكر –أيضا – في أمة النحل, أمة عجيبة، طائفة من أمة النحل تبني البيوت، وطائفة تنظفها، وطائفة تحرسها وتحميها، وطائفة تدل على مواضع الأزهار، وطائفة تمتص الرحيق لتأتي به وتخرج العسل اللذيذ{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}().
والنمل تبني قراها من تماسكها ... والنحل يجني رحيق الزهر أعوانا.
انظر إلى إبراهيم وإسماعيل يبنيا الكعبة, وموسى وهارون يقيما على فرعون الحجة.
هموم رجـــــال في أمـــــــور كــــــــثيرة ... وهمي من الدنيا صـــــــديق مساعــــــد
نكون كروح بين جسمين قسمت... فجسماهما جسمان والروح واحد.
ولك في رسول الله خير مثلٍ في تطبيق التعاون تطبيقا واقعيا, فقد كان يصل الرحم، ويحمل الكل، ويكسب المعدوم, ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق, وما آخى بين المهاجرين والأنصار، وقضى على ما كان بين الأوس والخزرج؛ إلا طلباً لمصلحة الاتحاد والإخاء، وما ظهر أمر المسلمين, وقويت شوكتهم، وانتصروا على أعدائهم، وفتحوا البلاد، وقادوا العباد، وصاروا أئمة هدى، ومصابيح هدى ودجى، ودعاة خير وتقى؛ إلا باتحادهم وتآلفهم واجتماع كلمتهم ووحدة صفوفهم.
والقِ نظرة إلى جيل الصحابة -رضوان الله عليهم– فقد كانوا مثالا يحتذى بهم في التعاون، وكانوا في ذلك المثل الأسمى، فكانوا كخلية النحل في تكاتفها وتعاونها، وكالجسد الواحد إذا اشتكى منهم عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى, ففي الوقت الذي كان فيه أبو عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص، وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص يفتحون مصر والشام والعراق، كان أبو بكر وعمر وعثمان وعلي يسوسون الناس، ويرعون شئونهم، وكان معاذ بن جبل وابن عباس وابن عمر يعلمون الناس، ويفتونهم ويربونهم، وكان أبو هريرة وأنس وعائشة يحفظون الحديث ويروونه، وكان أبو ذر وأبو الدرداء يعظون الناس والحكام وينصحونهم، فتعاونوا ولم يتعايبوا .. وتناصروا ولم يتدابروا().
وأما ما نراه في واقعنا الحاضر فهو جميل لتعاضدنا مع بعضنا البعض, واتحاد الكل على أبسط مشروع نقيمه ولك أبسط مثال في حياتنا: رغيف الخبز على صغر حجمه لا يصل إلى الإنسان إلا بعد عمل عشرات بل مئات من البشر تعاونت على تجهيزه وإعداده وتقديمه، ومن كان في شك من ذلك فليسأل نفسه: من حرث الأرض؟ ومن بذر الحب؟ ومن سقاه بالماء؟ ومن نظف الحشائش عنه؟ ومن حرسه؟ ومن حصده ومن نقله إلى الجرن؟ ومن داسه؟ ومن طحنه؟ ومن خبزه؟ ومن بالنار سواه؟ ومن إلينا حمله؟ ومن قدمه؟ ومن؟ ومن؟ ومن؟ ...
وإن ضاع التعاون في أناس ... عفت آثارهم في الضائعينا.