عليك يا حبيبي إذا أردت تحقيق أحلامك, وتصويب أهدافك, وبلوغ غايتك في السعادة؛ أن تسلك دروب الصدق مع الله, ولتكن صادقا وجادّا مع الله, ومخلصا مع الله, تكسر أشواك الأحزان, وتذري رياح الهموم, وتتصدى لسهام الأكدار, وتأمن من هجوم الخوف, تحميك السعادة من كل جانب, والسكينة من كل حول, والوقار من الداخل, ينشرح صدرك, ويزهو قلبك, ويطيب خاطرك, وينيرُ وجهك, وتشرق عليك شمس ذات أنوار, وسعادة ذات أحوال, وإياك وسلوك طرق المخادعات, والنوم في أوساخ المماطلات, والسير في بحور السهوات.
احذر أن يجدك الله في مكان نهاك عنه, وكن في المكان الذي أمرك الله فيه.
إن أردت السعادة فما عليك إلا أن تكون صادقا مع الله.. إذا أردت السمو والرفعة فكن صادقا مع الله.. إذا أردت تيسير الأمور فاصدق مع الله.. إذا أردت أن تكن مُستجاب الدعوة فاصدق مع الله..
هُناك أُناس كانوا صادقين مع الله, جادّين مع الله, كانوا بارّين مع الله, كانوا مخلصين مع الله. نالوا أرقى المراتب, وأعلى الأماكن, وأرفع المجالس, وأشرف البقع, بلغوا القمم, ناطحوا الثرُيّا, بلغوا أعلى المنازل, وأرفع الدرجات, حصلوا على الشهادات العلياء في الكمال, فعاشوا عيشة السعداء الأبرار, تمتعوا بحياتهم تمتع الأحرار, عاشوا أمنين سعداء في غابات يسكنها الأشبال, فأبصروا حياتهم كلها أنوار, فهنيئا لهم تلك الحياة وما لهم فيها من أدوار, داسوا بإيمانهم ذلكم الضيق والأكدار, الهمَّ والعسر والفقر والأسآم, فلم يعرفوا فيها تعاسة ولا أحزان, لا مشقة ولا تعسير ولا خذلان.
نوح -عليه السلام-, كان صادقا مع الله, مخلصا مع الله, ربانياً, بكلمة واحدة حطّم الكرة الأرضية ومن عليها وتحوّلت إلى بحيرة ماء واحدة, كلمة اهتزّ لها عرش الرحمن, كلمة أغضبت الملائكة, كلمة أغضبت الأرض والسموات{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ}().
إنه الصدق مع الله, إنه الإخلاص مع الله –تعالى-, يلبي لك حاجاتك حتى وإن كانت محالة الوقوع, ومستحيلة الحصول.
إبراهيم كان صادقا مع الله, كان مخلصا مع الله –تعالى-, كان محبا لله, كان جادّا مع الله –تعالى-, كان أُمّة بمفرده, كان وفيّا مع الله, حطّم الأصنام بصدقه, وجادل النمرود بعلمه, تفكر في السموات والأرض بقلبه, قدم طعامه للضيفان, وولده للقربان, ترك زوجته وولده وهاجر إلى ربه {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي}(), بكلمة تحوّلت النار العظيمة وما فيها من حرارة سعيرة, واللهب الشديدة, إلى بردا وسلامة, وكأنه نام على فراشه وسريره{يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}(). إنه الصدق مع الله, سبحان الله كيف يعمل!!
موسى -عليه السلام-, كان صادقا مع الله –تعالى-, فأوقف البحر وشقه نصفين{أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ}(). إنه الصدق مع الله, والجدُّ مع الله والإخلاص لله.
سليمان -عليه السلام-, كان صادقا مع الله, ربانيا, مخلصا لله –تعالى-, شكر الله على نعمه, وحمده على فضله, وحكم بين الرعاة بعلمه, وجاهد أهل الكفر والشرك بسيفه, بكلمة مَلَك الدنيا, الشياطين بين يديه مقيودة, والريح له مأمورة, والإنس عنده مذلولة, والطير له محشورة, {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ}() {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}(). إنه الصدق مع الله –تعالى-, والإخلاص له.
وهذا يوشع -عليه السلام-, كان صادقا مع الله –تعالى-, يريد بصدقه أن يرفع راية لا إله إلا الله, فدعا الله –تعالى- بقلب صادق, ولسان رطبا بالصدق, فتوقفت له الشمس, حتى قاتل وانتهى من القتال عادت الشمس إلى مجراها, فسبحان الله! كيف يفعل الصدق مع الله! يوقف الشمس, ويحطم الأرض, ويبرد النار, ويشق البحر.
وهذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم–, لما كان صادقا مع الله, وجادّا مع الله, قال: ((والذي نفسي بيده! ليتمن الله هذا الدين حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون ))() وبالفعل بعد خمس وعشرين سنة، خرجت كتائبه -عليه الصلاة والسلام- مهللة مكبرة، ترفع الدين في العالم, وكوّن دولة إسلامية, بلغ الإسلام فيها مشرق الأرض ومغربها؛ إنه الصدق مع الله يحقق لك كل ما تريد, ويوصلك لكل ما تسعى.
أمّا أُولئك المعرضين عن الله, والمخادعين, والكاذبين, حتى وإن ملكوا الدنيا, وملكوا الأموال{فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}() فحالهم شقاء إلى شقاء, ونكد إلى نكد, وتعب في تعب{فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}().
المخادعين لله, والماكرين, والمستكبرين, حتى وإن ملكوا الدنيا وزخارفها فلا حياة لهم بها, ولا سعادة؛ لأنهم لم يكونوا صادقين مع ربهم وخالقهم.
قارون أُوتي مفاتيح كنوز الدنيا, ولكنّ قلبه كان فارغا من الصدق مع الله, فلم يسعد بماله, ولم يرتاح بما عنده, فعاش تعيسا, حزينا, مهموما, مكسور الجناح, ومات أشرِّ موته, تعيسا منكّدا, وسيبعث بحالته التي مات عليها تعيسا{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ}().
فكن -يا أخي يا من أكرمك الله بنور الإسلام-, صادقا مع الله –تعالى-, يفرّج همك, ويكشف ضيقك وكربك, ويشرح صدرك, ويسعد حياتك, ويلبّي حاجاتك, ويعطيك ويمنحك ويكرمك ويرزقك.
إنما هي أمثال سقتها لك, وشوقتك بما فيها, لتكن على بصيرة, ولتعرف دروب سعادتك, وأماكن فرحك, فالحليم تكفيه الإشارة, واللبيب يكفيه التلميح, والفطين يكفيه التوجيه{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}().