الاتصال هو عبارة عن أسلوب حياة، وقوة تأثيرك في قلوب الآخرين، فيا ترى كيف هي علاقاتك مع الآخرين!? وما هي مهاراتك التي تستخدمها مع الآخرين لكسب قلوبهم, وودهم وسعادتك بالأنس لقربهم!?.
انظر من حولك فلان مستمتع بحياته, تراه قد سرق قلوب الناس، فتراه من مكتبه إلى بيته إلى مسجده إلى السوق إلى ملتقى إلى لقاء... ترى الناس أقبلوا عليه من كل فج عميق, وأتوه من كل حدب ينسلون، ترى جواله شغال بالاتصالات مع الآخرين, إن غاب فالسؤال عنه والدعاء له، وإن حضر فالأنس والبشاشة؛ لأن مهارته فعّالة مع الناس, وممتازة جدا، وأنت جالس تتفكر وتجمع لنفسك الهموم والغموم والأحزان..
انظر إلى رسول الله الأستاذ الأول في إيجاد هذه المهارة مع الآخرين, واستطاع أن يكسب قلوب البشرية ويسرقها دون أن يحدث في قلوبهم جرحا, حتى أنه ذات يوم احتجم, وأخرج دما فاسدا من جسده، فأعطاه لأسامة ليرمي به بعيدا... فأخذه أسامة ومن شدة حب أسامة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما استطاع أن يرمِ هذا الدم الشريف، فشربه.. نعم شرب دم النبي -عليه الصلاة والسلام-.
كيف لا يحبه الآخرون وهو القائد الأول في عملية الاتصال الفعّال.. حتى أنه ذات يوم جلس في بيت عائشة ومعه كبار الصحابة ليتناولوا وجبة الطعام من طبخ عائشة, وكان ذلك اليوم هو يوم عائشة للطبخ وصنع الطعام.
فجلس الصحابة ونبيهم ينتظرون الطعام يجهز ليأكلوا، وبينما هم كذلك إذ بباب البيت يقرع وكان القارع صاحب طعام من زوجة النبي حفصة -رضي الله عنها-، فوضِع الطعام أمام الرسول وأصحابه، وإذ بعائشة تنظر في الطعام الآتي من حفصة فأحدث في قلبها شيء من الغيرة، لسان حالها: كيف يا حفصة تحضرين الطعام للنبي واليوم هو يومي!. وهذا التفكير البشري عند النساء ما زال موجودا إلى يومنا هذا، فمسكت صحن الطعام ورمت به، وهذا الموقف أمام من وقع?! وفي حضرة من وقع?!.
لقد وقع أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- القائد الأعلى للقوات المسلحة، الزعيم والرئيس, والرجل الأول في دولة الإسلام . ووقع الموقف في حضرة كبار الصحابة عمداء وأركان وقادة آلوية ومدرعات و..و..
وهنا تأتي مهارة النبي في هذا الاتصال الفعّال, بأسلوب شيق ومثير, وكيف أدار الموقف بإحكام، والذي حصل من عائشة ما هو بالأمر السهل الهين!!ولو أنه حصل مع أحد من أهل زماننا, فماذا عساه فاعلا بزوجته التي أخجلته أمام القوم..
فما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أن تبسم في وجوه الصحابة وهو يضحك قائلا: غارت أمكم()، وطوى ملف القضية وانتهى الموضوع.
إنه أسلوب مثير جدا لكسب القلوب وأسرها دون أن تشعر بهذا التخطيط السري لكسبها.
انظر إلى من حولك من خطباء ودعاة، تجد بعض المساجد التي يؤمها خطيب يجيد مهارة الاتصال, تجده قبل أن يصعد المنبر إلا والمسجد قد ازدحم وامتلئ, وحين يبدأ خطبته تجد القلوب إليه مذعنة, والآذان له سامعة, والجوارح هادئة, والعيون بكاء وأنين يعمّ المسجد...
وتجد خطيبا آخر ينتهي من خطبة الجمعة والمسجد فيه سطور عدد الأصابع, والبعض أسرع بتجديد وضوءه لأنه كان نائما وقت الخطبة..
ما الذي جعل المسجد الأول يزدحم ويعلو صوت الأنين والبكاء فيه, بينما الثاني صوت الشخير فيه وتحسبهم أيقاظا وهو رقود!?.
إنه أسلوب المخاطبة, وطرح الكلام بفن وتعبير ومهارة, وحركات عذبة تجذب القلوب وتأسرها.
إنها أساليب قوية ومؤثرة تنجذب القلوب إليك بحسب قوة اتصالك ومهاراتك. هذا رجل قتل تسعا وتسعين رجلا ففكرت نفسه بالتوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على راهب، فجاءه وقص عليه القصص، فانبهر هذا الراهب وغضب ولم يكن يمتلك مهارة الاتصال فقال في غضب: ليس لك توبة. فقتله هذا الرجل وأتمّ به المائة... ثم بحث مجددا عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عالم، فجاءه وقص عليه القصص، فكان هذا العالم قوي في هذه المهارة استطاع من خلالها أن يجذب قلب هذا القاتل وينقذه من الهلاك، فقال له: تمهل! ومن يحول بينك وبين التوبة!? وبابها مفتوح، ورحمة الله واسعة، ففتح قلب هذا القاتل وقذف في قلبه حب التوبة فتاب فغفر الله له بسبب هذه المهارة التي أجادها ذلك العالم().
فانظر الفرق بين من يمتلك مهارة جبر الخواطر بكلمات عذبة, وبأساليب متنوعة, فيحي قلوبا كادت أن تقتلها الهموم والغموم، وبين من لا يمتلك هذه المهارة ولا يجيدها, فتنفر عنه القلوب, وتنزاح عنه وتهرب منه, ولربما كان هو أول ضحايا هذه المهارة.
تعلم أساليب متنوعة لكسب قلوب الناس، حين تكون متكلما اطرح الكلام بعذوبة, وحركات وابتسامات، وفي حالة الاستماع للمتكلم أنصت, واعطه عقلك وجوارحك, ولا تقاطع حديثه، وفي حالة التوضيح أوضح، وفي حالة الاختصار اختصر، يُحبّك الناس وتظهر في أعينهم أنك أنيق, صاحب مقام محمود.
قبل سنين طرأ لي سؤال من أحد الجاهلين عن قضية أهل البيت وأن عائشة ليست من أهل البيت، فسألت به ثلاثة ممن تتلمذت على أيديهم، فأما الأول فأجاب وأطال، وأما الثاني فأجاب وزاد، وأما الثالث فاختصر الجواب في كلمات فقال: يقول الله عن موسى: وسار بأهله. ولم يكن معه حين ذاك إلا زوجته فدل على أن الزوجة من أهل البيت.
فاختصر الجواب في كلمات نافعة, لأنه يجيد مهارة أسلوب طرح الكلام بطريقة عذبة, وبأساليب مختصرة فما استفدت إلا منه.