{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}(){وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}(){عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ}().
الشورى راحة القلب من التفكير, وانشراح الصدر من التضليل, وقرة العيون, وسكون البال, ونقص من التعب على الجوارح.
لا بأس أن تشاور أهل الخبرة والحنكة, وتسأل أهل النصح والحكمة, وتستعين بأولي النُهى والعقول السليمة, فقد تجد منهم ما يشفي عليك, ويريح أعصابك, ويشرح صدرك, ويوقر نفسك فينوروا لك الطريق, ويعطوك الدليل الرشيد, فتعيش في راحة الصواب, ومع سكينة الحقّ, وفي أمان الحقيقة{وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ}().
الرأي كالليل مسوداً جوانبه ... والليل لا ينجلي إلا بإصباح
فاضمم مصابيح أراء الرجال إلى ... مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح.
....................................
شاور سواك إذا نابتك نائبة ... يوماً وإن كنت من أهل المشورات
فالعين تلقى كفاحاً من نآى ودنى ... ولا ترى نفسها إلا بمرآت.
.....................................
وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيباً ولا تعصه.
واحذر مشاورة الحمقاء, فإنهم لا يهدون ضالا, ولا يرشدون حائرا, ولا ينوّروا طريقا, فيزيدوك حزنا إلى حزنك, وهما إلى همك, والنار لهيباً, والطين بلاً, والجرح ألماً, فيملئوا طريقك شوكا, وجرحك دما, فتعيش في تعاسة الحال, وكآبة البال, وضيق الصدر, وتعكر المزاج, كمن أشار{لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ}() فبئس المشورة{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}().
بالشورى تنبعث عوامل الألفة والمودة والمحبة والتعاون والتناصح، وتتشابك الأيدي لحل المعضلات، وبالشورى يصل الإنسان إلى ما يصبو إليه من عزة وفلاح وسعادة ونجاح في أمور الدنيا والآخرة.
بالشورى تكتشف الحقائق, وينجلي العمى, ويستنبط الصواب, ويصح الرأي, وتتضافر الجهود, وتتوزع المسؤولية, وتقوى شوكة الأمة.
بالشورى تبنى المجتمعات الفاضلة والدول القوية، وبالشورى يحصل النصر وتستمال القلوب، ويتعاون أهل الشورى من أجل بناء الأوطان وعمارة الأرض وإرضاء الرب.
بالشورى ينشد الخير والفلاح, ويبحث عن العدالة والمساواة, ويتوق إلى العزة والكرامة، ويحب أن يسود الأمن والاستقرار والرخاء، ويرغب في منع الظلم والتسلط والاستبداد.
والشورى فيها تطييب للنفوس, وجمع للكلمة, واستخراج للرأي السديد.
قال حكيم: المشورة موكل بها التوفيق لصواب الرأي..
وقال الخليفة الرابع علي: المشورة سبع خصال: استنباط الصواب، واكتساب الرأي، والتحصن من السقطة، والتحرز من الملامة، والنجاة من الندامة، وألفة القلوب، واتباع الأثر().
ومما أُثر عن عمر ابن الخطاب: لا خير في أمر أبرم من غير مشورة().
فلا معين أقوى من المشورة, ولا عون أنفع من العقل, فالمشورة تقوي العزم, وتمنح النجاح, وتوضح الحق, وتبسط العذر, وتزحزح عن مواقف الندامة، والعقل يهدي صاحبه إلى الأخذ بثمرة المشورة.
فمن ترك المشورة وعدل عنها، فلم يظفر بحاجته صار هدفاً لسهام الملام, ومضغة في أفواه العاذلين.
قال الراغب الأصفهاني: قيل إن الأحمق من قطعه العُجب عن الاستشارة، والاستبداد عن الاستخارة، فالرأي الواحد كالسجيل، والرأيان كالخيطين، والثلاثة إصرار لا ينقض().
من استشار ذوي الرأي والمعرفة في فعل ما عناه, فقبل المشورة منهم, واقتدى بآرائهم فيها, ولم يعدل عنها وعن قويم نهجها, قلَّ أن يخفق مسعاه ويفوت مطلوبه، فإن أعجزه القدر فهو معذور غير ملوم.
ونقل القرطبي عن الحسن البصري والضحاك أنهما قالا: ما أمر الله نبيه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم، وإنما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أمته بعده().
شاور صديقك في الخفي المشكل ... واقبل نصيحة ناصح متفضل
فالله قد أوصى بذاك نبيه ... في قوله (شاورهم) و (توكل)..
وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيباً ولا تعصه..
روى ابن أبي الدنيا عن زائدة قال: إنما نعيش بعقل غيرنا -يعني المشاورة-, ولبعضهم: الناس ثلاثة: فواحد كالغذاء لا يستغنى عنه، وواحد كالدواء يحتاج إليه في بعض الأوقات، وواحد كالداء لا يحتاج إليه أبداً().
والشورى سمات السعداء, ومنهج الأحرار الطلقاء, فهذا خير البرية يقول: ((أشيروا عليَّ أيها الناس))() ويأخذ برأي الحباب بن المنذر -رضي الله عنه- في موقع نزول الجيش في غزوة بدر, وأخذ برأي سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بحفر الخندق حول المدينة في غزوة الأحزاب, وأخذ برأي الأنصار في غزوة بدر, وشاور أصحابه يوم أحد في المقام أو الخروج فرأوا له بالخروج.
وهذه ملكة سبأ قالت: {أَفْتُونِي فِي أَمْرِي}().
وهذا ملك مصر يقول: {أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ}().