انظر إلى أفعال العباد مع ربّ العباد، وانظر رد الرحيم عليهم.
فعلوا الكبائر والمحرمات, فقال لهم: {لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}().
قالوا عنه: ثالث ثلاثة, فرد عليهم: {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}().
عصوه وتابوا, فكافئهم: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}().
انظر إلى أفعال العباد مع العباد، وانظر رد الرحماء عليهم.
هذا إبراهيم -عليه السلام- يقول له أبوه: لو لم تسكت عن آلهتنا وتدعها وشأنها لطرحتك موضع للرجم. فكان الرد من إبراهيم بلسان طيب وكلمة طيبة: {سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي}().
إخوة يوسف -عليه السلام-، حسدوه، وأرادوا أن يقتلوه، وفي جبّ البئر ألقوه، وبثمن بخس باعوه. فكان الرد عليهم بقلب مشفق حنون: {لَا تَثْرِيب عَلَيْكُم الْيَوْم}().
رسول الله القائد الأعظم، يُقال له: يا ساحر! يا كاهن! يا مفتري!. فكان الرد منه -عليه الصلاة والسلام-: ((اذهبوا فأنتم الطلقاء))(). نفديك بأباءنا وأمهاتنا وأرواحنا يا رسول الله!.
أنت أنت! هل تظن أن تسلم مما لم يسلم منه رب الأرباب، ومسبب الأسباب، وخالق الناس من تراب?، ولو أراد أن يقلب الأرض ومن عليها لفعل، ولكنه رحيم يحب الرحماء، رفيق يحب الرفقاء، كريم يحب الكرماء، طيب يحب الطيبين.
هل تريد أن تسلم مما لم يسلم منه خير خلق الله وأحب الناس إليه? ولو أراد أن يهلكهم عن بكرة أبيهم لفعلها بدعوة الملك -جل جلاله-، ولكنه صاحب الخلق العظيم والموسوعة الطيبة.
إذاً: اعلم أنه لا يمكن ومن المستحيل أن تسلم من أذية الخلق فوطّن نفسك على الثبات في ساحل المحاسن, وكلما جاءتك أذية من الخلق أو كلمة جارحة ارم كل ذلك في بحر المحاسن، تصفو لك الدنيا، وتستقبلك نجوم السماء رفعة وعلوا، فتعيش أبد الدهر سعيدا مسرورا.
فإذا تريد لنفسك صفو العيش يلزمك أن تحمل شعار الإحسان{دْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }() وكن رافع الرأس حين تحمل هذا الشعار مرددا{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً}().
إن من يحمل شعار الإحسان كلما ازداد من أحدهم أذى وشرا وبغيا وحسدا ازداد إليه إحسانا, وله نصيحة, وعليه شفقة, وتأمل حال النبي ضربه قومه حتى أدموه فجعل يمسح الدم عنه ويقول: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))().
لما عفوت ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من هم العداوات.