اﻟﺪﻋﺎء ﻋﺒﺎﺩﺓ ﻟﻠﻪ ﻭﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺭاﺣﺔ اﻟﻨﻔﺲ، ﻭاﻧﺸﺮاﺡ اﻟﺼﺪﺭ، ﻭﻃﻤﺄﻧﻴﻨﺔ اﻟﻘﻠﺐ، ﻣﺎ ﻳﻔﻮﻕ اﻟﻮﺻﻒ، ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻟﻪ ﺃﺛﺮا ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺓ العبد, ﻓﻜﻢ ﻣﻦ ﻋﺎﺹ ﻫﺪاﻩ اﻟﻠﻪ! ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﺮﻳﺾ ﺷﻔﺎﻩ اﻟﻠﻪ! ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﻓﻘﻴﺮ ﺃﻏﻨﺎﻩ اﻟﻠﻪ! ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﻜﺮﻭﺏ ﺃﻧﺠﺎﻩ اﻟﻠﻪ! ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﻣﻈﻠﻮﻡ ﻧﺼﺮﻩ اﻟﻠﻪ! ﺑﺴﺒﺐ ﺩﻋﻮﺓ..
اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻪ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﻋﻈﻴﻤﺔ ﻓﻲ اﻹﺳﻼﻡ، ﻓباﻟﺪﻋﺎء ﻳﺴﺘﺠﻠﺐ اﻟﻨﺼﺮ، ﻭﻳﺴﺘﻘﻰ اﻟﻐﻴﺚ، ﻭﻳﺪﻓﻊ اﻟﻀﺮ، ﻭﺗﻌﻢ اﻟﺒﺮﻛﺎﺕ؛ ﻭاﻟﺪﻋﺎء ﺃﻋﻈﻢ ﺳﻼﺡ ﻳﺘﺴﻠﺢ ﺑﻪ العبد، ﻭﺃﻋﻈﻢ ﻗﻮﺓ ﻳﺘﻘﻮﻯ ﺑﻬﺎ اﻟﻀﻌﻴﻒ..
اﻟﺪﻋﺎء ﺳﻼﺡ اﻟﻤﺆﻣﻦ، اﻟﺪﻋﺎء ﻳﻔﻮﻕ اﻟﺼﻮاﺭﻳﺦ، ﻭﻳﻔﻮﻕ اﻟﻘﻨﺎﺑﻞ، ﻭﻳﻔﻮﻕ اﻟﻤﺘﻔﺠﺮاﺕ، اﻟﺪﻋﺎء ﺳﻼﺡ اﻟﻤﺆﻣﻦ{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ}().
فلا تحزن ﻭﺃﻧﺖ ﺗﻤﻠﻚ اﻝﺩﻋﺎء، ﻭﺗﺠﻴﺪ اﻻﻧﻄﺮاﺡ ﻋﻠﻰ ﻋﺘﺒﺎﺕ اﻟﺮﺑﻮﺑﻴﺔ، ﻭﺗﺤﺴﻦ اﻟﻤﺴﻜﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮاﺏ ﻣﻠﻚ اﻟﻤﻠﻮﻙ، ﻭﻣﻌﻚ اﻟﺜﻠﺚ اﻷﺧﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﻠﻴﻞ، ﻭﻟﺪﻳﻚ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﻤﺮﻳﻎ اﻟﺠﺒﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻮﺩ..
لا تحزن وأنت معك القوة التي لا تُقهر، والجند التي لا تُهزم، والأوامر التي لا تُكسر، والأسورة التي لا تُهدم. فلماذا تيأس وتحزن?!.
لا تحزن ومعك القوي العزيز السميع العليم مطالبك لدﻳﻪ، ﻭﻫﻮ ﺃﺟﻮﺩ اﻷﺟﻮﺩﻳﻦ، ﻭﺃﻛﺮﻡ اﻷﻛﺮﻣﻴﻦ، ﺃﻋﻄﻰ ﻋﺒﺪﻩ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻟﻪ ﻓﻮﻕ ﻣﺎ ﻳﺆﻣﻠﻪ، ﻳﺸﻜﺮ اﻟﻘﻠﻴﻞ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ ﻭﻳﻨﻤﻴﻪ، ﻭﻳﻐﻔﺮ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺰﻟﻞ ﻭﻳﻤﺤﻮﻩ{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}() ﻻ ﻳﺸﻐﻠﻪ ﺳﻤﻊ ﻋﻦ ﺳﻤﻊ، ﻭﻻ ﺗﻐﻠﻄﻪ ﻛﺜﺮﺓ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ، ﻭﻻ ﻳﺘﺒﺮﻡ ﺑﺈﻟﺤﺎﺡ اﻟﻤﻠﺤﻴﻦ، ﺑﻞ ﻳﺤﺐ اﻟﻤﻠﺤﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎء، ﻭﻳﺤﺐ ﺃﻥ ﻳﺴﺄﻝ، ﻭﻳﻐﻀﺐ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﺴﺄﻝ، ﻳﺴﺘﺤﻲ ﻣﻦ ﻋﺒﺪﻩ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺴﺘﺤﻲ اﻟﻌﺒﺪ ﻣﻨﻪ، ﻭﻳﺴﺘﺮﻩ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺴﺘﺮ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻳﺮﺣﻤﻪ ﺣﻴﺚ ﻻ ﻳﺮﺣﻢ ﻧﻔﺴﻪ، ﺩﻋﺎﻩ ﺑﻨﻌﻤﻪ ﻭﺇﺣﺴﺎﻧﻪ ﻭﺃﻳﺎﺩﻳﻪ ﺇﻟﻰ ﻛﺮاﻣﺘﻪ ﻭﺭﺿﻮاﻧﻪ، ﻓﺄﺑﻰ، ﻓﺄﺭﺳﻞ ﺭﺳﻠﻪ ﻓﻲ ﻃﻠﺒﻪ، ﻭﺑﻌﺚ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻌﻬﻢ ﻋﻬﺪﻩ، ﺛﻢ ﻧﺰﻝ ﺇﻟﻴﻪ -ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ- ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻗﺎﻝ:ﻣﻦ ﻳﺴﺄﻟﻨﻲ ﻓﺄﻋﻄﻴﻪ، ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻐﻔﺮﻧﻲ ﻓﺄﻏﻔﺮ له?..
لا تحزن: حين تُصاب بمصيبة، أو تنصدم بفاجعة، أو تنصعق بصاعقة، لاتحزن! فوالله ما أرسلها الله إليك إلا إنه يحبك, ويريدك أن تتذلل بين يديه، وتنكسر بين جبروته، وتضعف أمام قوته، فترجوه وتدعوه وتسأله وتطلب حوائجك منه، هذا الذي يريده الله منك حين أرسل إليك المصيبة..
لا تحزن: حين يغلق الله عنه بابه، ويسد عليك طرقه، لا تحزن! لأنه أرحم بك من أُمك وأبيك، وأرحم بك من نفسك، فلا تحزن! لأنه يريدك أن تقرع الباب بنفسك، بالدعاء والابتهال والتضرع والرجاء{وَأتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أبْوَابِهَا}().
الدعاء له عجائب يخترقها في لحظات لا تستطيع أن تنجزها في سنين متوالية.. وله خاصية عجيبة في تحقيق المطلوب جربته مرات لا أقدر أحصيها ومنها:
أنه أُتْصِل عليّ في يوم من الأيام وكان الاتصال من جامعة اللغات في عدن: هاه! هشام مبارك عليك لقد نجحت في امتحان الكفاءة في اللغة الإنجليزية. فكدت أطير فرحا وسرورا.. وما هي إلا لحظات وفي نفس الساعة وإذ باتصال آخر جاءني من أحد الإخوة: هاه! هشام والدك تعرض لذبحة صدرية مفاجئة تعال إلينا سريعا.. وسبحان الله!! ما أسرع تغير الأحوال, الاتصال الأول كان مفرحا، والثاني كان كصاعقة صُعق بها قلبي..
توجهنا بالوالد إلى أحد الأطباء وبدون تباطئ أعطانا تحويل سريع إلى أحد المستشفيات في العاصمة عدن.. توجهت إلى عدن وبسرعة وكنت أنا مرافق الوالد إلى المستشفى، أوصلناه إلى الطبيب المختص بالذبحات الصدرية لشرايين القلب، فنظر إلى والدي ورأى ما في ورقة التحويل وقال لي بسرية وهَمَس في أذني: يا ابني والدك عنده ذبحة صدرية, وحالته خطيرة, والحمد لله الذي سلمه حتى أوصلته إلينا, فالحالات المصابة بمثله لا تسلم للوصول إلينا, ولكن الله أحبكم وسلم والدك حتى وصل إلينا, ولكن الآن وبسرعة ربع ساعة والداك يحتاج إلى دعامتين تفتح له الشرايين المضغوطة, وتكلفة الدعامتين بستة ألف دولار, ولا يمكن أن أبدأ العمل حتى تسددها قبل أن أبدأ العملية..
ومن هنا جاءني كلامه ونزل على قلبي وكأنه صاعقة انصعقتُ بها, من أين لنا كل هذا المبلغ بهذه السرعة خلال ربع ساعة!?..
فذهبت إلى صندوق التسليم وأعطيته الخبر وقال لي: سلم الفلوس، ونعطيك سند البدأ للعملية. أعطيته مفتاح السيارة والملكية على أن تبقى السيارة مرهونة عندهم لحين يبدأ إجراء العملية وسأتدبر المبلغ، رفض استلام السيارة إلا بالمبلغ كاملا..
وظلت المجادلة وأنا متحمس خوف التأخير على الوالد وهم رافضون.. ومن هنا تدخل أحد الدكاترة -حفظه الله- وقال لهم: الأمر لا يحتاج إلى تأخير خذوا السيارة وأنا ضامن لأي حادث يحدث بعد هذا. وتمت الموافقة, ودخل الطبيب ليبدأ العمل, والسيارة تم رهْنها وربْطها بجانب المستشفى..
ودخلت أصلي العشاء وأنا مهموم, وجاءني أنين الحزن واليأس, وسقطت دموعي على الخدين حتى شعرت بملوحة الدمع على لساني.. الوالد بين الحياة والموت، والسيارة مرهونة، والمبلغ باهظ، والأرض عندي انقلبت إلى بيضة ضيقة.. فرفعت يدي ودعوت الله: اللهم إن البشر ظلمة لا يرحمون، وقد أغلقوا أبوابهم في وجهي، اللهم فرجها من عندك، وأرني كيف تفتح الأبواب، ففرج الله عني غير أني لا أستطيع الخروج من الهمّ، ولما كملت الصلاة والدعاء دخلت المستشفى جاءتني البشارة الأولى, قال لي الطبيب: والدك انفتح عنده قليلا من الشريان المغلق وهو الآن يستطيع التنفس بسلامة فسوف نأخّر العملية إلى يوم غد –إن شاء الله-.. فإذ بقلبي تعود إليه الحياة بنسبة خمسين بالمائة, والنصف الثاني أفكر في المبلغ الباهظ.
وفي اليوم الثاني دعوت الله بالتفريج من هذه المصيبة –نفس الدعاء الأول- فدخل الطبيب لإجراء العملية وهنا جاءت البشارة الثانية وقال لي الطبيب: الحمد لله! بنجاح تمت الدعامة الأولى ولا داعي للدعامة الثانية -بإذن الله- وسوف تقلّ عليك التكلفة.. وأراني والدي وهو يضحك مبتسما..
وظل الوالد بخير والحمد لله، وصليت صلاة الليل ودعوت الله أن يفرجها وقلت: اللهم إنها صعبة الانفتاح ولكن أنت أعلم بفتحها فأرني كيف تفتح المصاعب..ونمت حتى اليوم الثاني وأنا أفكر كيف سيفتح الله هذه البلوة, ووالله أني منتظر الفرج، وبعد الظهر مباشرة جاءتني البشارة الثالثة, جاءني الاتصال الأول هشام لديك حوالة ثلاثة ألف دولار.. وبعد ساعات جاءني الاتصال الثاني, هشام لقد تم تسديد أربع مائة وخمسون دولار من حسابك للمستشفى.. وبعد ذلك جاءني اتصال آخر, هشام لقد طرحنا لك مائة وخمسون دولار تعال لأخذها.. وإذ باتصال آخر هشام لقد وضعنا لك عند والدك في المستشفى ثلاث مائة دولار .. وفي اليوم التالي جاءني اتصال من أخي: يا أخي لقد أعطوني ثلاثة ألف دولار وتم إرسالها باسمك فاستلمها من المصرف الفلاني..
ﻭﺇﻧﻲ ﻷﺩﻋﻮ اﻟﻠﻪ ﻭاﻷﻣﺮ ﺿﻴﻖ ... عليّ ﻓﻤﺎ ﻳﻨﻔﻚ ﺃﻥ ﻳﺘﻔﺮﺟﺎ
ﻭﺭﺏ ﻓﺘﻰ ﺳﺪﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺟﻮﻫﻪ ... ﺃﺻﺎﺏ ﻟﻬﺎ ﻓﻲ ﺩﻋﻮﺓ اﻟﻠﻪ ﻣﺨﺮﺟﺎ..
وما هي إلا ثلاثة أيام بكاملها في المستشفى سددنا المبلغ بكامله مع تكلفة العلاجات, وأخرجنا السيارة، وأخرجنا الوالد بحالة أحسن من حالته قبل الذبحة، وعدت إلى البيت ومعي فائض ثلاثة ألف دولار.. فما دريت كيف أحمد الله غير أني خصصت السجود لحمده وشكره وشكرت كل من تعاون معي وساعدني..
وخرجت من هذه البلوة فرحا مسرورا لم أفرح من قبل كفرحي وسروري في تلك المصيبة وأسميتها رحلة وليس بلوة.. رحلة علمتني دروسا كثيرة منها: عجائب الدعاء وكيف يصنع في لحظات ما لم أتوقعه يحصل في سنين.. وعلمتني فائدة الصبر .. وعلمتني أن البلايا تجلب العطايا.. وأجمل ما علمتني هذه الرحلة شيئا جميلا قد نطق به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أربعة عشر قرنا حين قال: (( أهل اليمن أرقُّ قلوبا وألينُ أفئدة، الإيمان يمانِ والحكمة يمانية)) (). فوجدت أن قلوب أهل اليمن أجمل قلوبا، وأطيب قلوبا، تجدها القوة الناصرة للضعيف -بعد الله-، ويد العون للمحتاج، وسرعة المساعدة عند الشدائد، ويد البذل عند الحاجة مهما كانت الخصومات والمشاكسات والخلافات إلا أن ذلك ليس مانعا من تقديم العون في وقته, فما أجملها من قلوب كزجاجة العطر يفوح شمها عطرا حتى ولو كسرت الزجاجة فبقايا رائحة العطر ما زالت تفوح طيبا وجمالا..
فعليك يا أخي الالتزام بالدعاء في السراء والضراء, واختيار الأوقات المناسبة للدعاء حتى يستجاب لك, ﻛﺎﻥ -ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ- ﻳﻠﻬﺞ ﺑﺪﻋﺎء ﺭﺑﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺣﺎﻻﺗﻪ، ﻗﺪ ﻓﻮﺽ ﺃﻣﺮﻩ ﻟﻤﻮﻻﻩ، ﻭﺃﻛﺜﺮ اﻹﻟﺤﺎﺡ ﻋﻠﻰ ﺧﺎﻟﻘﻪ، ﻳﻨﺎﺷﺪﻩ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﻋﻔﻮﻩ، ﻭﻳﻄﻠﺐ ﺑﺮﻩ ﻭﻛﺮﻣﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺨﺘﺎﺭ ﺟﻮاﻣﻊ اﻟﺪﻋﺎء اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﺸﺎﻣﻞ..
ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻜﺮﺭ اﻟﺪﻋﺎء ﺛﻼﺛﺎ، ﻭﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﺜﻨﺎء ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﻘﺒﻞ اﻟﻘﺒﻠﺔ ﻋﻨﺪ ﺩﻋﺎﺋﻪ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﺗﻮﺿﺄ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻋﺎء، ﻭﻛﺎﻥ ﻳﻌﻠّﻢ اﻷﻣﺔ ﺃﺩﺏ اﻟﺪﻋﺎء، ﻛﺎﻟﺒﺪاﻳﺔ ﺑﺤﻤﺪ اﻟﻠﻪ ﻭاﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻮﻟﻪ، ﻭﺩﻋﺎء اﻟﻠﻪ ﺑﺄﺳﻤﺎﺋﻪ اﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭاﻹﻟﺤﺎﺡ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎء، ﻭﺗﻮﺧﻲ ﺃﻭﻗﺎﺕ اﻹﺟﺎﺑﺔ ﻛﺄﺩﺑﺎﺭ اﻟﺼﻠﻮاﺕ، ﻭﺑﻴﻦ اﻷﺫاﻥ ﻭاﻹﻗﺎﻣﺔ، ﻭﺁﺧﺮ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﻳﻮﻡ اﻟﺠﻤﻌﺔ، ﻭﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ، ﻭﻓﻲ ﺣﺎﻻﺕ اﻟﺴﺠﻮﺩ ﻭاﻟﺼﻮﻡ ﻭاﻟﺴﻔﺮ، ﻭﺩﻋﻮﺓ اﻟﻮاﻟﺪ ﻟﻮﻟﺪﻩ.
ﻭﻛﺎﻥ -ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺼﻼﺓ ﻭاﻟﺴﻼﻡ- ﻭﻗﺖ اﻷﺯﻣﺎﺕ ﻳﻠﺢ ﻋﻠﻰ ﺭﺑﻪ ﻭﻳﻨﺎﺷﺪﻩ ﻭﻳﻜﺮﺭ اﻟﺴﺆاﻝ ﻣﻊ ﺗﻤﺎﻡ اﻟﺬﻝ ﻭاﻟﺨﻮﻑ ﻭاﻟﺤﺐ ﻭﺣﺴﻦ اﻟﻈﻦ، ﻭﺗﻤﺎﻡ اﻟﺮﺟﺎء، ﻛﻤﺎ ﻓﻌﻞ ﻳﻮﻡ ﺑﺪﺭ ﻭﻳﻮﻡ اﻟﺨﻨﺪﻕ ﻭﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ، ﻭاﻟﻠﻪ ﻳﺠﻴﺐ ﺩﻋﻮﺗﻪ ﻭﻳﻠﺒﻲ ﻃﻠﺒﻪ، ﻛﻤﺎ ﺣﺼﻞ ﻟﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻤﻨﺒﺮ ﻳﻮﻡ اﺳﺘﺴﻘﻰ ﻓﻨﺰﻝ اﻟﻐﻴﺚ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻭﻳﻮﻡ ﺷﻖ ﻟﻪ اﻟﻘﻤﺮ، ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻄﻌﺎﻡ ﻭاﻟﻤﺎﻝ، ﻭﻧﺼﺮﻩ ﻓﻲ ﺣﺮﻭﺑﻪ، ﻭﺭﻓﻊ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﺃﻳﺪ ﺣﺰﺑﻪ، ﻭﺧﺬﻝ ﺃﻋﺪاءﻩ، ﻭﻛﺒﺖ ﺧﺼﻮﻣﻪ، ﺣﺘﻰ ﺣﻘﻖ اﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻣﻘﺎﺻﺪﻩ، ﻭﺃﻛﺮﻡ ﻣﺜﻮاﻩ، ﻭﺟﻌﻞ اﻟﻌﺎﻗﺒﺔ ﻟﻪ -ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ-..
فإذا كان هذا حاله -عليه الصلاة والسلام- وهو الذي عصمه الله وحفظه، وزكاه ورفعه، وغفر ذنوبه وخطأه، فأنت وأنا الضعفاء المقصرون، الفقراء المحتاجون، الأشقياء المحزونون، أولى في قرع باب الرب -جلّ جلاله- لتفريج كرباتنا، وجلاء أحزاننا، وشفاء أسقامنا، وبرودة آلامنا، وهدوء أعصابنا، ومغفرة ذنوبنا..
إذاً: مع الدعاء فلا تضق ذرعا من الحال، فالدعاء يغير الأحوال، من حال إلى حالِ التمام..
فلا تجزع ولا تستعجل وانتظر الفرج, فالله –تعالى- إن لم يجبك في الحال رد عنك مصيبة كانت نازلة إليك بفضل دعاءك، وإن لم يستجب لك ولم يرد عنه مصيبة, فإن دعاءك مدخورا لك ليوم القيامة, حين تأتي مفلس الحسنات وإذ بالحسنات قد جمعت من هنا وهناك فتتعجب وتقول: رب من أين لي هذا وأنا لم أعملها!? فيقال لك: دعواتك ادّخرناها لك ليومك هذا. فتتمنى لو أنك ما رفعت رأسك من سجود إلا دعاء الله وطلب الآجل دون العاجل..