اعلم أن لكل شيء محرك ومسير, فالطائرات والسفن يحركها الوقود, حتى الأشجار على الماء تنمو وتكبر وإلا لصارت يبسا, وكذلك كل شيء على الماء يحيا, أما القلوب فليس لها محرك ومحيي سوى ذكرُ الله –تعالى- فهو الذي يحييها وإلا لعاشت في غرق الهموم والأحزان, فذكرُ الله –سبحانه- طمأنينة للقلوب, وقوة الأبدان, وعافية الأجسام، ذكر الله طمأنينة للقلب وللفؤاد، وراحة للأبدان والأجساد، ودفع للوساوس والشياطين.
به تستدر الأرزاق، وبه تدفع البليات، وبه تحط الخطايا والسيئات، وبه ترتفع الدرجات، وبه تطمئن القلوب{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}().
فالقلب المضطرب الخائف يسكن ويطمئن إذا ذكر الله -سبحانه وتعالى-، ها هم أصحاب نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم, ورضي الله عنهم -خرجوا من غزوة أحد وبهم ما بهم من القتل والجراح، شج رأس نبيهم, -صلى الله عليه وسلم- فأتاهم آت يخوفهم من عدوهم ويقول لهم: إن أبا سفيان قد استدار لاستئصالكم ومحو آثاركم واستباحة مدينتكم، فماذا قالوا أمام هذا التخويف وأمام هذا الإرجاف، وأمام هذا التهويل، قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، فحكى الله مقالتهم في كتابه: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} ().
أما أولئك المعرضون عن ذكر الله, الغافلون عن ذكره -سبحانه وتعالى- فهم في حياة تعيسة لا يعرفون السعادة, ولا يعرفون الحياة بشكلها الحقيقي فتراهم يتقلبون في مكابدة الحياة وهم غارقون في بحور الهموم والأحزان مع ما يلاقيهم في الآخرة{فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ}() فيا لها من عيشة النكد يكابدونها, لماذا هذه التعاسة على وجوههم؟{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}() حتى كلمة (ضنكا) لها معنى عجيب حين أتى الله بها هنا للمعرض عن ذكر الله الذي يحيي القلوب, فهي حروف صعبة النطق على الفم يكاد الفم أن يختنق منها؛ وليس من معانيها إلا الحياة التعيسة النكدة, حتى ولو صاحبها سكن أعلى القمم في الفلل لنال هذه الحياة؛ لإعراضه عن حياة قلبه.