تعلمت من النملة –في ظل العقيدة- أن الشجاعة تعطي نوعا من أنواع السعادة فإذا اقترنت بالتضحية اجتمعت السعادة وحصل الإيمان الموقر في القلب.
فلا سعادة إلا بإيمان, ولا إيمان إلا بإخلاص, ولا إخلاص إلا بتضحية وبذل وتقديم الغالي والنفيس في خدمة هذا الدين الإسلامي.
فالمؤمن الجلف لا تخيفه قوة المادة ولا لغة الأرقام؛ فهو يقدم من ألوان التضحية، وضروب الفداء، وأنواع البذل، ما لا يصدقه الأعداء.
المؤمن لا يصرفه عن حقه وعد، ولا يثنيه عن همته وعيد، ولا ينحرف به الطمع، ولا يضله هواه، ولا تغلبه شهوة؛ فهو دائما داع إلى الخير، مقاوم للشر، آمر بالمعروف، ناه عن المنكر، هاد إلى الحق، فاضح للباطل؛ لئن كسر المدفع سيفه، فلن يكسر الباطل حقه.
قد باع نفسه وماله وعمره لله، ولنصرة دين الله؛ إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، همه رضا مولاه.
وأصحاب البذل والتضحية هم أصحاب همة عالية، وعزيمة قوية ماضية، همهم رضا ربهم، يسيرون معها أين توجهت ركائبها، ويستقلون معها أين استقلت مضاربها؛ ترى الصادق قد عمّر وقته بالطاعات، وشغله بالقربات، فبينما هو في صلاة إذ رأيته في ذكر ثم في غزو، ثم في حج، ثم في إحسان للخلق بالتعليم وغيره من أنواع النفع، ثم في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، أو في قيام بسبب فيه عمارة الدين والدنيا، ثم في عيادة مريض، أو تشييع جنازة، أو نصر مظلوم –إن أمكن– إلى غير ذلك من أنواع القرب والمنافع.
وإن التاريخ لم يشهد رجالاً عقدوا عزمهم, وانطوت نواياهم, على غاياتٍ تناهت في العدالة والسمو, ثم نذروا لها حياتهم, على نسقٍ تناهى في الجسارة والشجاعة والتضحية والبذل, كما شهد التاريخ في صحب محمد -صلى الله عليه وسلم-، أنجز هؤلاء الكرام ما أنجزوه في بضع سنين، أشادوا بكتاب الله وكلماته عالما جديدا يهتز نبرة، ويتألق عظمة، ويتفوق اقتدارا، صبر وشجاعة، وعلم ومثابرة، وبطولات تفيض رحمة بالناس وزهدا في الدنيا، وتبتلا لله وخشوعا بين يديه، استطاعوا في مثل سرعة الضوء -بإذن الله- أن يضيئوا الدنيا بحقيقة التوحيد ويطهروها من وثنية القرون، أيُّ بذل بذلوا؟! وأيُّ حمل تحملوا؟! وأيُّ فوز أحرزوا؟!
تحرير -بإذن الله وقوته- من وثنية الضمير وضياع المصير، الظلام يتحول إلى نور، والفوضى تنقلب إلى نظام، والضعف يتبدل إلى قوة، والضياع يصير منعة، والمهانة تصبح عظمة، والجهل يضحى علما ومعرفة، والعيلة تكون غنى، لقد ورثوا البشرية خير ميراث وأعظم تراث, فلله درهم من رجال.