علمتني النملة –في ظل العقيدة- أن من السعادة زرع بذور الحب للآخرين في القلوب.
فحب الخير للناس يشرح الصدر, ويزيل قشرات التعاسة, ويجلب المحبة, ويبارك الرزق, ويرضي رب الخلق.
يقول صاحب لا تحزن: كنت جالسا في الحرم في شدة الحر، قبل صلاة الظهر بساعة، فقام رجل شيخ كبير، وأخذ يباشر على الناس بالماء البارد، فيأخذ بيده اليمنى كوبا، وفي اليسرى كوبا، ويسقيهم من ماء زمزم، فكلما شرب شارب، عاد فأسقى جاره، حتى أسقى فئاما من الناس، وعرقه يتصبب، والناس جلوس كل ينتظر دوره ليشرب من يد هذه الشيخ الكبير، فعجبت من جلده ومن صبره ومن حبه للخير، ومن إعطائه هذا الماء للناس وهو يتبسم، وعلمت أن الخير يسير على من يسره الله عليه، وأن فعل الجميل سهل على من سهله الله عليه، وأن لله ادخارات من الإحسان، يمنحها من يشاء من عباده، وأن الله يجري الفضائل ولو كانت قليلة على يد أناس خيرين، يحبون الخير لعباد الله، ويكرهون الشر لهم ().
هذا رسول الله -بأبي هو وأمي-, يعرض نفسه للخطر فيطرد من مكة، ويضرب في الطائف، ويلقى سلى الجزور على رأسه، ويشج رأسه، وتكسر رباعيته، ويسيل الدم من جسده الشريف، ويتفل في وجهه، ويسب من أعداءه, وينام على الحصى, ويظهر أثر الحصى على ظهره الشريف, ومع كل هذا يقول له ملك الجبال: إن شئت أطبق عليهم الأخشبين، فقال صاحب القلب الرحيم، صاحب القلب السعيد، المحب الخير لأمته: (( لا، لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به)) (). وهذا أبو بكر, يعرض نفسه للخطر في الهجرة، حماية للرسول -صلى الله عليه وسلم-. وعمر, يطوف المدينة والناس نيام ليتفقد أحوال الناس، ويتلوى من الجوع عام الرمادة، ليطعم الناس. وأبو طلحة, يتلقى السهام في أحد، ليقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأبو عبيدة, يسهر على راحة جيش المسلمين.
وابن المبارك, يباشر على الناس بالطعام وهو صائم.
ذهبوا يرون الذكر عمرا ثانيا ... ومضوا يعدون الثناء خلودا.
وحاتم, ينام جائعا، ليشبع ضيوفه.
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} ().
فيا أحبتي الكرام!! ويا من تسعون للسعادة!! أقبلوا إلى فعل المعروف وتشاغلوا بعون الآخرين، عطاء وضيافة ومواساة وإعانة وخدمة وستجدون السعادة طعما ولونا وذوقا{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى(17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى(19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى(20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى}().