رأيت من نملة سليمان خصلة طيبة حين أعذرت سليمان وتمنيتُ لو أننا حظينا بهذه الخصلة لعشنا أبد الدهر في سرور.
إن من أعلى مراتب ديننا الإسلامي السمح أن يدلنا على السعادة التي تملؤ كل جوانب حياتنا وتمتد جذورها إلى إسعاد من حولنا فأمرنا باحترام المشاعر, وتقدير الذات, وحب الصغار, وتوقير الكبار, والبسمة في وجوه الآخرين, وحسن الظن بهم، لئلّا يتولد من سوء الظن بهم وعدم احترام مشاعرهم: الكراهية والبغضاء والحقد الذي بسببه يعيش الإنسان في تعاسة وكآبة وضيق.
وحسن الظن بالغير وقبول أعذارهم والبحث لهم عن مبررات يعطيك شيك الدخول في القلوب مجانا, وهو من أعلى سمات هذا الدين.
فحتى ترتاح نفسك، ويهدأَ ضميرك، لا بُدَّ أن تكون واسع الصدر، فأعقلُ الناس وأسعدهم هو أعذرهم للناس، وأما أبعدهم عن العقل والحكمة فهو أسرعهم لوماً وأقلّهم تحقّقاً وتثبُّتا فيما صدر عنهم.
فما أجمل!! أن يعذُر بعضنا بعضا، فأنت لا تَعلم ظُرُوف الآخرين الغائبة عنك، ولا تدري ما الذي قاده إلى ذلك التصرُّف الذي لم يعجبك.
فعندما تَجد مِن أحد خطأ أو موقفاً لا يليقُ فعلُه، فما عليك إلا أن تلتمس الأعذار له، فقد يكون هناك أسباب لا تَعرفها عنه جعلته يتصرفُ ذلك التصرف..
وكيف لا يلتمس العاقلُ الأعذار لغيره، وهو يعلم أنّ الناس مطبوعون على الضعف والتقصير، حتى هو لا يرَى الكمالَ في نفسه، فكيفَ يرجو الكمال ويطلبهُ منهم؟.
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: لا تظُنن بكلمة خرجتْ مِن مسلم شرا، وأنت تجد لها في الخير محملا().
إن إحسان الظنّ بالناس يحتاجُ إلى كثير من المجاهدة للنفس ليحملها على ذلك، فالشيطان يجرِي مِن الإِنسان مجرى الدم، ولا يفترُ ولا يمل من التفريق بينَ المسلمين والتحريش بينهم والتحريضِ عليهم، وأهمّ الأسباب التي تقطع الطريق على الشيطان: هو إحسانُ الظن بالمسلمين.
إن من الناسِ من ينظُر إلى غيره نظرة مملوءة بالشك وسوء الظن وعدم التماس العُذر للآخرين، فتراه لا ينظر إلا إلى الجانب السيءِ فيهم، ويضخِّمُ الأخطاء التي عندهم ويُغفِل الحسنات الموجودة فيهم..
إن طبيعة مَن يعاني مِن مشاكل القلب وعدم اطمئنانه، والقحط والجدب الروحي والخلُقي هو: من إذا رأى مائة حسنة من إنسان وسيئة واحدة، أغفل المائةَ حسنة وقام بتضخيم السيئة الواحدة، واكتشف بأنَّه كان مخدوعا به والآن عرفه على حقيقته، وعرفَ أن حسناته، لم تكن إلا للتغطية على سيئاته!.. ولا يستطيع أن يكون منصفاً ومحسنا للظن بغيره ويقول: إن هذه السيئة ليست إلا زلة غير مقصودة وهي مغمورة في بحر حسناته..
إن النظرة السليمة والإيجابية للأشياءِ هي طريقُك إلى السعادة والفلاح، فحين تكون النفس سليمة جميلة ترى الأشياءَ بصورتِها الإيجابية، وتجعلُ من المحَن مِنَحا وعطايا وهدايا وفوائد عظيمة تنالها أنت يا صاحب النفس السليمة.
وحين يكون المعدن أصيلاً، والقلبُ صافياً سليما، فلَن تجد مِن صاحبه إلا خيرا عميماً، وفضلا جسيماً..
وحين يكون الأصل الشريف معدوماً، والباطن خواءً فارغاً مذموماً، والإحساس بالجمال مفقوداً، فلا تنتظر إلا شراً مهيناً وضلالاً مبيناً.
إن المؤمن لا يظُن بأخيه إلا خيراً، ولا يفسِّر تصرّفات غيره إلا على أحسن المحامل، وكيف لا يكون حَسن الظن بغيره وهو يقرأُ قولَ الله –تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}() وهو يسمَع قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إِياكم وَالظن، فَإِن الظن أَكذب الحديثِ))؟ ().
قال بَكر الـمزني: إياك من الكلام ما إن أصبت فيه لم تُؤجر، وإن أخطأت فيه أثِمتَ، وهو سوءُ الظن بأخيك.
وقال أبو قِلابة الجرمي: إذا بلغكَ عن أخيكَ شيء تكْرهه، فالتمس له العذر جهدك؛ فإن لم تجد له عذراً، فقل في نفسك: لعل لأخي عذراً لا أعلمُه().
فأحسن الظن بإخوانك الآخرين، والتمس لهم سبعين عذرا، فإن لم تجد فقل لعل له عذرا، لا أعرفه.
وحسن الظن يحسن في أمور ... ويمكن في عواقبه ندامه
وسوء الظن يسمج في وجوه ... وفيه من سماجته حزامه.
فطوبى لمن اشتغل بعُيوبِ نفسه وإصلاحها، وابتعدَ عن النظر في عيوب غيره، ومن شغل نفسهُ بعيوبه، لم يجدْ وقتا ولا فكرا يشغله في الناس وسوءِ الظن فيهم.